18 نيسان 2024 الساعة 19:09

في مواجهة حكومة الضم

2020-05-03 عدد القراءات : 800
لم يبق من ائتلاف «كاحول لافان» أحد في خندق معارضة نتنياهو، بعد أن أعلن رئيس «يوجد مستقبل» يئير لبيد استعداده للتعاون معه ولو «نكاية» بغانتس، في الوقت الذي حسم ما تبقى من حزب العمل أمره لصالح الدخول في الحكومة القادمة.
على ذلك يمكن القول إن نتنياهو الآن في معرض تشكيل حكومته الخامسة، وإن كان ذلك وفق اتفاق يتضمن التناوب مع رئيس نصف «كاحول لافان»، وهو أمر يعمل الليكود ورئيسه على التحلل منه بطرق يجري البحث عن أفضلها.
وفي حال تشكيلها، ستكون هذه الحكومة هي الأخطر على القضية الفلسطينية، ربطا بعناوين خطة ترامب ـ نتنياهو، والإجماع الصهيوني المتزايد على هدف قيام «إسرائيل الكبرى».
شهدت الخريطة الحزبية الصهيونية في السنوات الأخيرة تبدلات كثيرة وقع معظمها، وربما جميعها، في الجهة «المعارضة» لنتنياهو. منها تلاشي حزب «الحركة» بقيادة تسيفي ليفني، وقبل ذلك تلاشي ما تبقى من «كديما». وعشية الانتخابات السابقة تلاشى حزب «المعسكر الديمقراطي» الذي أسسه إيهود باراك. يضاف إلى ذلك تفكك «كاحول لافان» وتحالف «العمل ـ غيشر ـ ميرتس» الشهر الماضي. في الوقت الذي بقي معسكر نتنياهو مستقرا ومحافظا على قوته فيما ازداد الليكود الذي يقود هذا المعسكر قوة وتأثيرا.
وهذا حراك طبيعي يتوافق مع الانزياح المضطرد نحو اليمين واليمين المتطرف في المشهد الإسرائيلي، على الصعيدين السياسي والاجتماعي. ويعود هذا الانزياح إلى سببين (إسرائيليين) أساسيين:
• تقدم البرنامج الاستيطاني الاستعماري الذي نشط به الليكود برئاسة نتنياهو، وقد ساهم استمراره على رأس الحكومة منذ العام 2009 بمراكمة حلقات هذا البرنامج على الأرض، ويعبر عن ذلك التوسع الكبير والقياسي في حجم الاستيطان وعدد المستوطنين، الذين تضاعف دورهم وتأثيرهم السياسي في إسرائيل بشكل لافت. واستطاع نتنياهو في السنوات العشر الأخيرة أن يقدم الليكود برئاسته باعتباره الحامل الاقتصادي والسياسي الأقوى لبرنامج اليمين الصهيوني.
  • انكشاف طبيعة الأحزاب التي قدمت نفسها في خانة اليسار الصهيوني وأبرزها «العمل» الذي فشل في تقديم برنامج اقتصادي ـ اجتماعي يشكل بديلا فعليا عما يطرحه الليكود وأحزاب اليمين عموما، إلى جانب اتضاح أن أجندتها السياسية لا تختلف بالجوهر عما تطرحه أحزاب اليمين واليمين المتطرف بشكل مباشر. وتبين ذلك للمجتمع الإسرائيلي وأوساطه السياسية بشكل سافر في قمة «كامب ديفيد 2» صيف العام 2000 عندما حاول إيهود باراك (رئيس العمل) أن يفرض على الجانب الفلسطيني حلا يتناقض مع الحقوق الوطنية الفلسطينية. وربطا بالتراجع عن البرنامج الاقتصادي ـ الاجتماعي، تخلى قسم كبير من جمهور هذه الأحزاب عنها، وفضل المضي وراء الأحزاب اليمينية مع تلاشي الفوارق السياسية الجوهرية بين الأحزاب الصهيونية.
 وأدى الدور الذي قام به نتنياهو في تطبيق مشروعه الاستعماري الاستيطاني والتفاف المستوطنين حوله إلى تعزيز قدرته على المناورة في سياق سعيه للاستمرار على رأس الهرم السياسي في إسرائيل بشكل متواصل منذ العام 2009. ومنذ ذلك الوقت، كرس جهده من أجل إزاحة أي منافس ضمن حزبه، وفي إطار الائتلافات الحكومية التي قادها، والتي انفجرت مرات عدة بسبب محاولة عدد من قادة الأحزاب منافسته والتقليل من شأنه، وهذه من أسباب اللجوء إلى انتخابات مبكرة خلال فترات ترؤسه الحكومات السابقة.
ومع ذلك، أدت مناورات نتنياهو وصراعاته الشخصية مع الآخرين إلى انسحاب عدد من أعضاء حزبه وتشكيل أحزاب جديدة، وإلى انسحاب أحزاب من الائتلاف الحكومي. ومع الوقت، نشأت في المشهد الحزبي الإسرائيلي حالة من الاستقطاب الحاد أدت إلى تشكل تحالف كبير ضده هو «كاحول لافان» برئاسة غانتس، والذي ضم أيضا رئيس «يوجد مستقبل» أعتى خصومه.
لقد شكل نتنياهو على امتداد ثلاث جولات انتخابية متتالية للكنيست دريئة لسهام الهجوم على بقائه على رأس الهرم السياسي في إسرائيل. ومنذ أولى هذه الجولات، حاز التحالف الجديد المنافس على عدد المقاعد ذاتها التي حصل عليها الليكود، وكان هذا مؤشرا على تبدل قريب في موازين القوى داخل الكنيست. كما أن فشل نتنياهو غير المسبوق في تشكيل الحكومة دل على أنه بات أمام حسابات جديدة زادت من هواجسه، ووجد خصومه في ملفه القضائي أساسا ليتحدثوا عن ضرورة اتخاذ قرار من المحكمة يمنعه من تولي الحكومة. وقد حدثت نقلة نوعية في مواجهة نتنياهو عقب الانتخابات الأخيرة، عندما حاز غانتس على توصية به أمام رئيس الدولة العبرية من قبل 61 نائبا في الكنيست لتشكيل الحكومة.
وكان من الممكن، برأي الكثير من المراقبين، أن يضع هذا التحالف ومن أيده من الأحزاب حدا لاستمرار نتنياهو على رأس الحكومة، وربما إنهاء حياته السياسية. لكن التطورات على هذا الصعيد اتخذت مسارا معاكسا لرأي المراقبين وتوقعاتهم. والسبب واضح, وهو برنامجه الاستعماري الاستيطاني الذي اتحدت عناوينه مع الخطة الأميركية المسماة «صفقة القرن»، والتي يمكن تسميتها «خطة ترامب ـ نتنياهو» بناء على هذا الاتحاد.
ومن هذه الزاوية نفهم أن التحاق غانتس بنتنياهو كان التحاقا بمشروعه في ظل افتقاد «كاحول لافان» بالأساس إلى مشروع سياسي خاص به. وأن الصراع بين الأطراف، والذي أنتج حالة الاستقطاب السابقة إنما كان صراعا حول السلطة، وتم حله بتلبية طموحات غانتس وربما غيره من أجل حشد الأطراف الصهيونية لتطبيق «خطة ترامب ـ نتنياهو»، بدءا من ضم المستوطنات والأغوار وشمال البحر الميت.
 ونتحدث هنا عن خطر داهم ووشيك يملك الكثير من عناصر التنفيذ على الأرض. وعلى الرغم من إدراكنا رفض معظم أطراف المجتمع الدولي الرئيسية لهذا المشروع، إلا أن إيقافه يبدأ على الأرض بالأساس، وعدم الاكتفاء بإعلان رفضه، وهذا يعني أولا الخروج من حالة الـ«الحجر السياسي» المتكئ على الحجر الصحي بفعل كورونا، واجتماع الحالة الفلسطينية بكافة مكوناتها لبلورة خطة وطنية موحدة لمواجهة هذا الخطر الداهم، والبدء في هذه المواجهة بخطوتين متكاملتين: إنهاء الانقسام الذي من المفترض أن يسقط مع تعاظم الخطر على القضية الفلسطينية، والإفراج عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وهي كفيلة عند تطبيقها بتعزيز الوضع الفلسطيني في حلبة الصراع مع حكومة الضم وتصفية القضية والحقوق. ■

أضف تعليق