19 نيسان 2024 الساعة 08:06

حالة اللا حسم واعادة صياغة اليمين في اسرائيل!

2020-04-03 عدد القراءات : 524
لم تتمكن ثلاث جولات انتخابية خلال عام واحد من كسر هيمنة اليمين المتطرف الذي يتزعمه نتنياهو منذ ما يزيد عن العقد من الزمان في اسرائيل، ولم تفعل هذه الجولات سوى انها اعادة رسم صورة اليمين بشكل غائم وغير مبلور على طريق اعادة ترتيبه من جديد، على نحو اكثر قدرة على احتواء الفئات الاقل تطرفا وتوسيع هامشه الاجتماعي وتقليل ضرره واعتداءاته الفظة على سلطة انفاذ القانون والاعلام ومؤسسات الدولة، التي اراد غلاة المتطرفين اعادة صياغتها بما يتلائم مع نظرتهم المغلقة والاحادية.
لم يكن قرار غانتس هجر تحالفه الانتخابي ومعسكر ال 61 مقعد الذي افرزته الانتخابات الاخيرة، سوى تعبير عن حالة المخاض التي يعيشها اليمين الاسرائيلي وحسم للصراع المحتدم بين نزعتين تتجاذبانه بين التطرف والقطع مع المراحل السابقة وتقاليد العمل السياسي والاداري في دولة الاحتلال وبين ملائمة هذه الانظمة والانحراف بها بشكل متدرج نحو اليمين الذي يبقي على خيط واصل بين الارث الصهيوني التاريخي للدولة وأسس تنظيمها وتقاسم الأدوار داخلها وبين الفكر اليميني.
دون مقدمات ظاهرة للعيان قرر الجنرال احتياط بيني غانتس أن يتخلى عن كل وعوده الانتخابية وان يتنازل عن الامكانية الكامنة والتي جسدها تحالف ازرق ابيض في استبدال حكم اليمين، والاصطفاف الى جانب نتنياهو.
هذه الخطوة المفاجئة لا تعبر عن حالة اليأس من امكانية استبدال نتنياهو، لان مثل هذه الامكانية كانت قائمة فيما لو التزم غانتس حتى النهاية بالمخطط الذي سار عليه معسكر ال 61 عضو كنيست الذي قاده، والذي رغم تملكه لاغلبية برلمانية تتيح له احدث تغيرات جذرية في مبنى الكنيست وسن قوانين تخرج نتنياهو من حلبة المنافسة، الا انه لا يملك امكانية تشكيل حكومة بسبب عدم تجانس اعضاءه ووجود قوة غير يهودية لا يستهاد بها وهي القائمة المشتركة بين مكوناته.
امام خيار احداث انقلاب من داخل الكنيست وشق الطريق امام نتنياهو للخروج من الحلبة السياسية واضعاف اليمين المتطرف من خلال قطع رأسه الكرزماتي والمجرب والداهية الغير قابل للهزيمة، وخوض نضال طويل النفس وواثق ضد هيمنة اليمين، اختار غانتس أن يستسلم للعناصر اليمينية في معسكره وان يعقد صفقة تاريخية مع نتنياهو تعطي الاخير فرصه الخروج المشرف من الحياة السياسية اذلا ما اختار ذلك بعد عام ونصف من خلال صفقة مع النيابة يعقدها من موقع مكتب رئيس الحكومة المتمتع بائتلاف قوي، او احتلال دور شكلي فخري يتوج به مسيرته السياسية(رئاسة الدولة) ولكن كل هذا ليس قبل ان يعيد تنظيم اليمين ويستكمل مهمة اعادة صياغة الدولة وترك بصمته الايدلوجية والسياسية فيها سواء فيما يتعلق بنظام الحكم والتشريعات او ما يتعلق بالقضية الفلسطينية واستكمال مشروع الذي اتضحت ملامحه بشكلها الغير قابل لاساءة الفهم فيما بات يعرف بصفقة القرن.
نتنياهو بتحالفه مع غانتس يحقق استقرار سياسي وأغلبية مريحة و(شرعية) لا يمكن الطعن بها للمضي في مسار اعادة ضياغة اسرائيل على قياس اليمين.
المعارضة الحقيقية لهذا المشروع تكاد تكون غير قائمة او هامشية، لأنه والى جانب غانتس الذي حسم أمره وأمر معسكره بالاصطفاف الى جانب نتنياهو، لا يمكن تخيل ليبرمان او يعالون او حتى لبيد يقفون ضد مشاريع مثل الضم والبدء بشكل فعلي في تطبيق صفقة القرن او التضيق على الفلسطينين في الداخل وسن المزيد من التشريعات العنصرية.
هناك من يراهن ان جانتش ومن خلال الاغلبية التي يؤمنها لنتنياهو سيستطيع ان يؤثر على خطواته السياسية وطريقته في الحكم وهو ما سيحد ان لم يلجم تطلعات اليمين الفاشي في اسرائيل!
الحقيقة أن غانتس بخطوته المتسرعة سياسيا ألقى من يده بشكل طوعي كل اوراق القوة التي كان بامكانه ان يؤثر من خلالها(اذا سلمنا انه يريد ان يؤثر او يمتلك مشروع مضاد لمشروع اليمين)، بحيث تحول الى دمية فاقدة لاي تأثير يتلاعب بها نتنياهو كيقفما يشاء.
غانتس فقد أغلبية ال61 التي كان يلوح بها مجرد انشقاقه عن ازرق ابيض وتخليه عن حلفائه، وهذه الخطوة قادت الى تحوله الى زعيم حزب لديه 15 مقعد فقط، وهو حزب سيقيم حكومة بالتساوي مع تحالف(بلوك) احزاب اليمين التي تمتلك عدا عن رؤيتها المتماسكة 58 مقعد.
انقلاب غانتس على ازرق ابيض قاد عنصرين من حزب يعالون الذي شكل ضلع ثالث مكون لهذا التحالف، الى الانسقاق( هوزر وهيندل) وتشكيل كتلة منفصلة لكن متحالفة مع غانتس من موقع تأييدها للدخول في حكومة نتنياهو.
سبق هذه الخطوة انشقاق اولي ليفي عن حزب العمل من موقع معارضتها للاستناد الى اصوات اعضاء الكنيست العرب في مواجهة نتنياهو.
اعضاء الكتل الصغير المنفصلة عن ازرق ابيض لاسباب ايدولوجية متماهية مع اليمين ورافضة للاستناد الى اصوات المشتركة وتمتعهم بهامش كبير من الاستقالية سيشكلون العصا الغليظة التي يروض فيها نتنياهو غانتس ويقلم طموحاته في احداث تغير جدي في سياسة الحكومة ويجربه على الاختيار بين الانتحار سياسيا والذهاب لانتخابات رابعة وحيدا او الانضمام له باقل الاثمان وتحت برنامجه او اعادة التفويض واعطاء نتنياهو فرصه تشكيل حومة من 61 مقعد متوفرة نظريا.
يقال في كواليس السياسة الداخلية أن من حرك غانتس وحرضه على الانشقاق هو زميله السابق في هيئة الاركان وخليفته في رئاسة الجيش جابي اشكنازي.
اشكنازي مثل غانتس يحمل خلفية يمينية ويبدوا أنهما قررا ان يختصرا الطريق للحكم من خلال الاقتراب من نتنياهو واعطاءه فرصه للنجاة وانهاء حياته السياسية بشكل مشرف واستكمال مشروعه السياسي، مقابل توليهما مهمة خلافته والتنافس على زعامة اليمين من داخل الليكود في مرحلة ما بعد نتنياهو.

أضف تعليق