19 نيسان 2024 الساعة 23:29

الكاتب والأديب سليمان الشيخ.. يترجل بعد رحلة من العطاء الأدبي والثقافي الفلسطيني

2020-02-18 عدد القراءات : 689
سليمان صالح الشيخ محمود، إسم وعلم من أعلام الثقافة الفلسطينية والأدبية، ابن بلدة صفورية قضاء الناصرة في فلسطين، هو ذاك الانسان الذي تفتحت عيناه على مشهد وصور التهجير والتشريد، فخرج طفلاً من بلدته صفورية وهو في الخامسة من عمره، لتبقى هذه الصورة محفورة في قلبه ووجدانه، راسخة في ذاكرته صورة المأساة والبيوت المدمرة والأشجار والحجارة..، ليحط به الرحال طفلاً لاجئاً مع عائلته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، وتبدأ من هناك حكايته مع حلم العودة الى فلسطين.
لم تعرف طفولته اللهو ورفاهية الحياة، فتعلم وكافح وعانى كثيراً، واضعاً لنفسه هدفاً رئيسياً وهو التغلب على شروط الحياة القاسية والم والشتات، وبناء الذات من أجل مواجهة تحديات اللجوء والانطلاق بمسيرة الكفاح والنضال من اجل العودة الى الوطن.
فانخرط منذ نعومة أظافره مع زملائه الطلبة والعديد من أبناء مخيمه بحركة القوميين العرب في محاولة للبحث عن الهوية ونفض الغبار عن الهزيمة العربية ونشر الوعي القومي المناهض للاستسلام وللمشروع الاستعماري الصهيوني، وقد تعرض للكثير من المخاطر في تلك المرحلة، اثناء توزيعه لمنشورات الحركة سراً ونقلها من منطقة ومدينة الى أخرى، الى جانب نشاطه في جمع التبرعات لدعم نشاط الحركة ومشاركته مع رفاقه وزملائه الطلبة في العديد من التحركات الطلابية والجماهيرية التي كانت تنادي بتحرير فلسطين.
وفي هذه المرحلة تعرف على رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، وبعدها الشهيد والأديب غساني كنفاني، لتتحول صداقتهما العميقة الى شبه ميثاق واتفاق على أن تحرير فلسطين لا يمكن له أن يتم دون غرس الوعي الوطني وبناء المشروع الثقافي الفلسطيني المتلازم مع المشروع الوطني الفلسطيني التحرري.
ومن هنا بدأت رحلته مع الثقافة والأدب الفلسطيني، كاتباً في العديد من الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية محاولاً تجسيد الحلم الفلسطيني بالعودة الى الوطن من خلال مئات المقالات والقصص التي تحاكي قضية الشعب الفلسطيني وآلامه وأحلامه، فحوّل قلمه وكتاباته وقصصه الى سلاح فعال في معركة التحرير وضد القهر والظلم والتشريد، لأنه كان مؤمناً بأن انجاز المشروع الوطني التحرري الفلسطيني لا يمكن أن يستقيم ويأخذ مجراه الصحيح دون وجود حالة تكاملية مع المشروع الثقافي الفلسطيني بمضمونه الحضاري والوطني التحرري، والبناء على الموروث الثقافي المقاوم الهادف الى تحقيق أماني وتطلعات شعبنا الفلسطيني في استعادة أرضه وحقوقه الوطنية المشروعة. وصدرت له العديد من المؤلفات والكتب والقصص منها " الجميزة، ما لم يعرف من أدب غسان كنفاني، من سيرة حنظلة الشجراوي، الكتاب الأسود الذي يؤرخ المجازر الصهيونية، روائع من الأدب الانساني .. وغيرها العديد من الدراسات والأبحاث والروايات التي نشرت بعدد واسع من الصحف والمجلات العربية.
وفي العام 1966 أجبرته الظروف الصعبة في لبنان على الانتقال الى الكويت، ليعمل في مجال التمريض وليواصل من هناك مسيرته الأدبية والثقافية كاتباً وصحفياً بأكثر من صحيفة ومركز منهم" مجلة الطليعة، الوطن، السياسة الكويتية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، رابطة الأدباء والكتاب الكويتيين، ثم مديراً للتحرير في مجلة العربي الكويتية، متنقلاً من بلد الى آخر صحفياً ومؤرخاً وباحثاً ومنقباً في ثنايا اللغة والأدب والفكر والهوية والجغرافياً والتراث، ناقلاً للحلم العربي الذي ينشد الوحدة والحرية .
وفي بداية التسعينيات أجبرته حرب الخليج على العودة مرة جديدة الى لبنان، حاملاً معه قسوة ومرارة الشتات المتواصل، لكنه بقي متمتعاً بالإرادة والعزيمة على الاستمرار في العطاء وابقاء حبر قلمه يخط الحلم الفلسطيني، فواصل كتاباته في صحف السفير، الحياة، المستقبل، الأخبار، القدس العربي، والعربي الجديد .. ونشر العديد من الروايات وقصص الأطفال في مجلة " أحمد" والعربي الصغير وغيرها من الصحافة اللبنانية والعربية.
رحل الكاتب والأديب سليمان الشيخ محمود يوم 13/2/2020، ليترك فراغاً ثقافياً وفكرياً وأدبياً كبيراً، لكن إسهاماته وكتاباته باقية وخالدة، وسيبقى واحداً من رموز الثقافة الفلسطينية والعربية، الذين اسهموا في صيانة الهوية الوطنية وشكلوا الدعائم الرئيسية للنهوض بالواقع الثقافي والأدبي الفلسطيني، ورسموا بإبداعاتهم وقلمهم عشقهم للأرض والتزامهم بالقضية وايمانهم بالحق الفلسطيني.

أضف تعليق