18 نيسان 2024 الساعة 21:05

شريكان في الضم .. والاحتلال

2020-02-17 عدد القراءات : 942
لا يرى نتنياهو أن ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت بالإضافة إلى مستوطنات الضفة الغربية إجراءات أحادية الجانب، مع أنه شدد على أن ذلك لن يكون مرتبطًا بـ«موافقة الفلسطينيين». وحجته في هذا  الاستخلاص أن سرقة الأراضي الفلسطينية تتم بالاتفاق والتنسيق مع إدارة ترامب!
وهو مالم يعترض عليه أي من مسؤولي هذه الإدارة.
ووفق استخلاص نتنياهو، تنتقل الإدارة الأميركية من «وسيط سابق» في التسوية حول مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى شريك فعلي في احتلالها. وهذا يفرض بالضرورة على الحالة الفلسطينية التعامل مع إدارة ترامب بما يمليه هذا الاستخلاص.
وقد بدأت إدارة ترامب ولايتها بقرارات وخطوات أحادية الجانب تجاه العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، لكنها ركزت أسوأ هذه الإجراءات وأكثرها صلافة وعدوانية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته الوطنية. وقد دشنت اتصالاتها مع السلطة الفلسطينية (بعد تجاهلها) بمحاولة فرض سياسة الإملاءات عبر الشروط التسعة التي نقلها غرينبلات، مبعوث ترامب إلى مقر المقاطعة في رام الله. وجميع هذه الشروط هدفت إلى تكييف الحالة الفلسطينية الشعبية والسياسية مع «متطلبات» الحل الإسرائيلي للصراع، ومنها شطب التاريخ الكفاحي من ذاكرة الشعب الفلسطيني والتنكر لتضحيات مناضليه من الأسرى والشهداء عبر شطب مخصصات ذويهم والتهديد بإجراءات عقابية في حال لم يتم ذلك. وعندما رأت أن هدف تطويع الحالة الفلسطينية لشروط الاحتلال غير ممكن التحقيق، اتخذت إجراءاتها وقراراتها المعروفة للجميع حول القدس واللاجئين الفلسطينيين والاستيطان. ومن ثم بدأت حلقات الحديث عن ما أسمته «صفقة القرن»، إلى أن أعلنت عن الشق الاقتصادي لهذه الصفقة في «ورشة المنامة» قبل أشهر، ثم أعلنت شقها السياسي أواخر الشهر الماضي على لسان ترامب ونتنياهو .. وربما العكس.
 وما زاد الأمر خطورة أن السياسة الأميركية هذه مطروحة ضمن «رؤية» مشتركة مع حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو، ومعدة للتطبيق العملي ومترافقة مع عناوين «حل إقليمي» يحشد الشريكان ما يستطيعان حشده من الرسميات العربية ،عبر تعميم التطبيع والانضمام إلى «الصفقة»، وبالتالي نقل هذه الرسميات من حالة الدعم الشكلي للقضية الفلسطينية إلى الضغط العملي لفرض هذه الرؤية على الشعب الفلسطيني وقواه السياسية. وبالنسبة لواشنطن وتل أبيب معا، يعبر موقف «المطبعين» هذا عن عموم الموقف الرسمي العربي في ظل احتدام الصراعات الدامية في عدد واسع من الدول العربية وتلاشي «العمل العربي المشترك» الذي كانت القضية الفلسطينية تشكل محوره الأساسي.
وفي إسرائيل، تقاطعت غالبية الأحزاب الصهيونية في تبني «الصفقة» وزايدت على بعضها البعض في أن معظم عناوينها مدرجة في برامجها وأهدافها تجاه الملف الفلسطيني، من زاوية وضع هدف قيام دولة «إسرائيل الكبرى» في مقدمة هذه البرامج.وتسابقت هذه الأحزاب في الترحيب بمخطط ضم الأغوار والمستوطنات إلى إسرائيل، حتى أن بعضها انتقد نتنياهو لتأجيل الضم إلى ما بعد انتخابات الكنيست الإسرائيلية المزمعة أوائل الشهر القادم.
ويرد نتنياهو على خصومه ومنافسيه في موضوعة الضم بالقول إنه حصل على تعهد من ترامب باعتراف أميركي بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات. ويشير إلى «صدقية» ترامب بوعوده كونه أوفى بها «بشأن القدس ومرتفعات الجولان والسفارة والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران».
وهكذا يقدم ترامب ونتنياهو خريطة مواقف رسمية عربية وإسرائيلية تقف وراء تنفيذ «الصفقة»، ولا أهمية بالنسبة لهما (إعلاميا) للموقف الفلسطيني لأنهما يطرحان حلا إقليميا وليس ثنائيا، والتطبيق بالنسبة لهما ليس مرهونا بموافقة الجانب الفلسطيني.        
وبذلك، يمكن القول إنه في هذه المرحلة باتت مواجهة السياسات العدوانية والتوسعية الإسرائيلية تتجسد الآن في مواجهة «رؤية ترامب ـ نتنياهو» الموحدة، بكل مايعني ذلك من انضمام واشنطن وماتملكه من قوى سياسية واقتصادية وعسكرية إلى خندق الاحتلال، وبكل مايعنيه هذا من ضخامة عبء المواجهة التي على الحركة الوطنية الفلسطينية النهوض بها لدرء مخاطر هذا التحالف المعادي.
ومن المتوقع ، أن تتصاعد الضغوط والإجراءات الأميركية ـ الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني عبر الحصار المالي والاقتصادي ومحاولة إفشال الدعوات لوقف العمل مع «بروتوكول باريس»، وفتح نوافذ تبادل مع أطراف أخرى غير الاحتلال، دون الاكتراث بعواقب تشديد الحصار متعدد الجوانب على الفلسطينيين.
 وقد قامت إسرائيل مؤخرا بمنع تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية بتوجيهات من وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينيت،وهو ما اعتبره المراقبون ابتزازا بهدف الضغط على الحكومة الفلسطينية ودفعها للتراجع عن وقف إدخال الخضار والفواكه والعصائر والمياه المعدنية والغازية الإسرائيلية إلى الأسواق الفلسطينية، على قاعدة التعامل بالمثل، بعد حظر إسرائيل استيراد المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الاسواق الاسرائيلية.
وفي ظل كل ذلك، من الضروري وضع الصراع مع «رؤية ترامب ـ نتنياهو» في إطاره الوطني والاقليمي والدولي الصحيح، ربطا بخريطة مصالح، وبالتالي مواقف الأطراف التي تقف ضد هذه الرؤية الاستعمارية من مواقع متدرجة ما بين عدم قبولها ومعارضتها وصولا إلى السعي لإفشالها. واللافت أن معظم الأطراف الدولية المؤثرة التي رفضت هذه الرؤية استندت إلى تناقضها مع قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة، وهذا يؤكد مجددا أن الأمم المتحدة تشكل ميدانا حيويا لمقارعة الاحتلال.
 ومن المهم الإشارة في هذا المجال إلى أن الإجماع الوطني الفلسطيني، سياسيا وشعبيا، على رفض «رؤية ترامب ـ نتنياهو» والتمسك بهذا الموقف لعب دورا في تكريس وثبات المواقف الإقليمية والدولية الرافضة لهذه الرؤية، من موقع إدراك جميع هذه الأطراف أن الإجماع الفلسطيني يشكل مانعا جوهريا في وجه تطبيقها، وقد أثبتت التجارب صحة هذا الاستخلاص. ومن هذه التجارب محاولة واشنطن وتل ابيب معا منع الجانب الفلسطيني من التوجه إلى الأمم المتحدة في العام 2012 من أجل الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال، وقد نجح الفلسطينيون في ذلك بفضل إجماعهم، والتفاف معظم أطراف المجتمع الدولي حول هذا الاجماع.
والمهم، على الصعيد الفلسطيني، أن يتحول الرفض المجمع حوله إلى برنامج موحد لمواجهة «رؤية ترامب ـ نتنياهو»، وفق بوصلة قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وعلى قاعدة تفعيل المقاومة الشعبية وتوسيع جبهة المعركة السياسية والديبلوماسية وتصعيدها في مواجهة هذه الرؤية.■

أضف تعليق