20 نيسان 2024 الساعة 15:42

الخطوات المرتعشة

2020-02-08 عدد القراءات : 602
■ انتهيت للتو من مراجعة سلسلة مواقف السلطة الفلسطينية وقراراتها، رداً على «رؤية ترامب»؛ فلم أصل إلى نتيجة حاسمة حول المسلك السياسي القادم للسلطة، وبقيت في دائرة التردد. التردد ليس لأني لا أملك موقفاً، بل لأن التردد كان هو القاسم المشترك والمضمون الرئيس لسلسلة مواقف السلطة، إن في الاجتماع القيادي الفلسطيني في 28/1/2020، أو في تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية، أو تصريحات وزارة خارجية السلطة، أو سلسلة الكلمات التي ألقيت، إن في الاجتماع الوزاري الطارئ لجامعة الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو في الاجتماع الأخير للحكومة في السلطة الفلسطينية.
الاجتماع القيادي (28/1/2020) أعلن رفض الرؤية، والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتعديل وظائف السلطة الفلسطينية بما ينسجم مع الشروع بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي. وأعتقد أن هذا هو الحد الأدنى الواجب أن يرد به الجانب الفلسطيني على خطوة ترامب. وهذا ما أشاح بعض الضباب عن الموقف الفلسطيني، وأفسح في المجال لشعاع الشمس أن يخترق الحجب، وأن يزرع الأمل لدى الفلسطينيين، في معركة المواجهة القادمة.
ثم يتبين ما يلي:
• أن الموقف الرسمي العملي، كما جرى الإفصاح عنه، هو إبلاغ الجانب الإسرائيلي أن السلطة تنوي تطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني، إذا ما شرعت حكومة نتنياهو في تطبيق صفقة ترامب (رؤية ترامب)  فضلاً دعوة إلى ترامب ونتنياهو للتراجع عن خطتهما. هل هناك رهان على أن ترامب سوف يتراجع وينتحر سياسياً إرضاء للسلطة الفلسطينية؟. هل يفعل نتنياهو الأمر نفسه؟ ما معنى الدعوة للتراجع، وما معنى «التهديد» بالذهاب إلى التطبيق؟ أما العلاقة مع الولايات المتحدة فمازالت قائمة، فقد زارت رام الله، يوم الخميس في 31/1/2020، جيناهاسبل، رئيسة المخابرات الأميركية والتقت مسؤولين فلسطينيين كباراً، تواصلت بعد ذلك علاقات «التعاون والتنسيق بين الجانبين». وكما أكدت السلطة فإن التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال مازال قائماً، وكذلك مازال اعتراف م.ت.ف، بإسرائيل وبحق إسرائيل قائماً، عملاً بوثيقة 9/9/1993، ومازالت العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل قائمة، وكذلك نظام المقاصة، والعلاقة مع الإدارة المدنية لسلطة الاحتلال، ومع ممثل الاحتلال في اللجنة المشتركة التي تضم موشيه كحلون عن الجانب الإسرائيلي وحسين الشيخ عن الجانب الفلسطيني.
 باختصار، إن شيئاً ما لم يتغير، سوى تصعيد لفظي وكلامي في رفض «الرؤية» وتهديد بالذهاب إلى التطبيق، في ظل ارتباك ظاهر في التصريحات اليومية.

*  *  *
بشأن مستقبل السلطة تراوحت المواقف الرسمية، بين موقف الاجتماع القيادي في 28/1/2020 بتعديل وظائفها، انسجاما مع قرارات المجلسين الوطني والمركزي لتشكيل سنداً للمواطن في مواجهة الاحتلال والاستيطان، وبين موقف التهديد بحل السلطة و«تسليم المفاتيح»، و«إعادة الهدية» إلى أصحابها في الإدارة المدنية للاحتلال، لتتولى هي إدارة المناطق الفلسطينية. مثل هذا الارتباك لا يساعد المواطن الفلسطيني على الثقة بالقيادة الفلسطينية، ولا بمستقبل وجوده، بل يدخله في عالم القلق، فثمة فارق كبير بين بناء سلطة للمواجهة المنظمة، وبين ترك الأمور على غاربها.
في الوقت نفسه، ما زالت الحسرة على اتفاق أوسلو في النفوس، باعتباره بديلاً لرؤية ترامب، بذريعة أنه يعطي الفلسطينيين 92% من الأرض (وليست الأرض كلها حتى حدود 4 حزيران (يونيو) 67). وكأن كل هذه التجارب المرّة والمأسوية، والمدمرة لتطبيقات أوسلو، لا تكفي للاقتناع بالتراجع عنه، وكأن أوسلو، ما زال هو الحل البديل لخطة ترامب (في الواقع العملي، إن ما تمارسه السلطة وما تلتزمه، يؤكد أنها ما زالت تعتمد أوسلو حلاً بديلاً).
وأيضاً، لا تتوقف السلطة، عن إعطاء إشارات وتلميحات تدعو في طياتها إلى العودة إلى «المفاوضات السريّة»، حين تمتدح مفاوضات أوسلو السرية التي أوصلت إلى الاتفاقيات المعروفة، ومنها الاعتراف بدولة إسرائيل.
*  *  *
في «الأيام» الفلسطينية، كتبت الزميلة والصديقة ريما كتانة، تشكو ضعف المشاركة الشعبية في أنشطة ما سمي بـ «أيام الغضب»، رداً على «رؤية ترامب». وأعتقد أن الزميلة ريما، وهي التي تعيش التجربة في رام الله بمعطياتها الملموسة، تدرك الأسباب الحقيقية وراء ضعف المشاركة التي أثارت انتباهها. فقد عاشت ريما في المخيمات في سوريا ولبنان، في مرحلة النضال المسلح، وكانت ترى بأم العين كيف كانت عائلات بأكملها تلبي نداء الفصائل، دون تردد، للمسيرات، والاعتصامات والمهرجانات والاستعداد للقتال، سبب ذلك الثقة والقناعة.
كذلك عاشت ريما تجربة الانتفاضة الأولى، وكيف كانت المدن والقرى والمخيمات تضع ثقتها عالية في القيادة الموحدة، وكيف كانت تستجيب بكل حماسة لنداءاتها، أياً كانت الكلفة، والتضحية. والأمر نفسه تكرر مع الانتفاضة الثانية حين التحمت الحركة الشعبية مع الأجهزة الأمنية. ريما وغيرها، تدرك جيداً أن ثقة الشارع الفلسطيني، بالقرار الرسمي، مفقودة، أو في أحسن الأحوال مهتزة. عشية إطلاق ترامب رؤيته، كان السؤال الرئيس على لسان الشارع: ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية في الرد على موقف ترامب؟ وعندما انطلقت مسيرات الغضب، كان السؤال: ماذا بعد مسيرات الغضب؟ وعندما انتقلت الحركة السياسية إلى المحافل العربية والإقليمية والدولية، ظل السؤال هو نفسه: وماذا بعد؟ ما زالت ثقة الشارع بالقرار السياسي الرسمي، إما مهتزة، أو مفقودة تماماً، إلى أن تعطي القيادة الرسمية الإشارة بأن ثمة خطوة ميدانية انطلقت نحو المجابهة العملية للاحتلال والاستيطان.
إذا لم يسحب الاعتراف بإسرائيل، ويتوقف التنسيق الأمني معها، ويتوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة، فمعنى ذلك أن المراوحة في المكان هي السياسة السائدة، في الوقت الذي يخطط فيه نتنياهو، ومعه غانتس، وبينت، ويرعاهم ديفيد فريدمان، لتطبيق ما جاء في خطة ترامب ورؤيته.
الفلسطينيون أمام مرحلة مفصلية، وصفها نتنياهو بأنها «الفرصة الأخيرة».
ولا يمكن أن يجتاز الفلسطينيون هذه المرحلة بخطوات مرتعشة ■

أضف تعليق