24 نيسان 2024 الساعة 14:44

غزة 2020.. تحديات البقاء والمواجهة

2019-12-31 عدد القراءات : 616
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير وسام زغبر)
أوضح مراقبون فلسطينيون ومنظمات أممية ودولية أن الأوضاع في قطاع غزة عام 2019 أصبحت «قاتمة» السواد وستصبح أكثر «قتامة» في العام 2020 في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة لمعدلات فلكية وانعدام الأمن الغذائي والوظيفي.
ويبدو وفق المراقبين والمنظمات أن أسباب سواد المشهد الاقتصادي والاجتماعي يعود للحصار الإسرائيلي المتواصل للعام الثالث عشر على التوالي والذي يشتد بقسوة في معظم الأحيان، ويخف حيناً يسيراً في إطار إجراءات تخفيف الحصار مقابل الهدوء في القطاع.
ولا يخفى على أحد أن هناك صلة وثيقة بين الأوضاع السياسية والأمنية والتي لم تنقطع عن نظيرتها الاجتماعية والاقتصادية، بل أثرت بشكل سلبي عليها في ظل الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني الداخلي الذي تجاوز كل منهما عقد ونيف من الزمن، ويواصلان نهش حياة الغزيين على طريقتهما الخاصة، بين حصار الاحتلال، والإجراءات العقابية التي تفرضها حكومة السلطة الفلسطينية، وارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن ارتفاع الضرائب والرسوم التي تجبيها سلطة الأمر الواقع.
نمو صفري
من جهته، أكد علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة أن الاقتصاد الفلسطيني في غزة لم يشهد أي تطور إيجابي وملحوظ خلال العام 2019، نتيجة تواصل الحصار والانقسام، ومحدودية التدخلات الحكومية والمساعدات والمنح الدولية.
وحذر الحايك من أوضاع اقتصادية وإنسانية واجتماعية أكثر سوءاً في العام 2020 حال بقاء الأوضاع على حالها، وعدم الحد من الآثار المتفاقمة للأزمات. مضيفاً: «معدل النمو في غالبية النشاطات عام 2019 في قطاع غزة هو صفر، في حين بلغ عدد الشيكات المرتجعة بنحو 1.158 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ القطاع المصرفي الفلسطيني، وانخفضت قدرة القطاع الخاص التشغيلية لأكثر من 15%».
ودعا إلى تفعيل البرامج التنموية الدولية وإعادة ضخ الأموال للمشاريع كونها الأكثر فاعلية، مع أهمية معالجة الخلل القائم في حركة دوران رأس المال الناتج عن انعدام السيولة النقديّة. مطالباً برفع الحصار الإسرائيلي عن غزة مع ضرورة إعفاء القطاع الخاص لمدة زمنية من الضرائب والتعليات.
وبدوره، قال المختص الاقتصادي سمير أبو مدلله إن «العام 2019 هو الأسوأ على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وعلى قطاع غزة بشكل خاص على صعيد حركة النمو الاقتصادية والاستثمارية وتقليص الأزمات الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن تواصل الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي».
غياب برامج التشغيل
وأوضح أبو مدلله أن نسبة البطالة خلال 2019 تجاوزت الـ54% مع وجود 300 ألف عاطل عن العمل، فيما وصلت البطالة بين صفوف الشباب الخريجين من الجامعات والمعاهد إلى 70%، وبين الفتيات الـ78%، متوقعاً أن تصل نسبة الفقر لـ60%، ما لم تحدث حلول اقتصادية.
وبين أبو مدلله أن معدل التوظيف في صفوف الشباب في غزة في السنوات الأخيرة هو صفر مقارنة بما تخرجه الجامعات الفلسطينية كل عام، مبيّناً أن هناك 120 ألف خريج من دون وظائف نتيجة غياب برامج تشغيل حقيقية قادرة على الحد من أزمة بطالة الخريجين.
وكان تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2012، حذر من أن يصبح قطاع غزة «الشريط الساحلي الضيق» غير صالح للحياة بحلول عام 2020 في حال عدم القيام بأي شيء لتخفيف الحصار.
ويعاني قطاع غزة من اقتصاد راكد، ونظام رعاية صحية محاصر، وموارده الطبيعية تتضاءل، ومع ذلك تنبّأت منظمة الأمم المتحدة أنَّ الوضع سيزداد «قتامةً» في عام 2020.
وذكر التقرير الأممي أنَّه بحلول عام 2020، سيتجاوز عدد سكان غزة مليوني نسمة، والطلب على الكهرباء سيزداد بأكثر من 50%، وقد تتعرض طبقة المياه الجوفية الساحلية للقطاع لأضرار لا يمكن إصلاحها.
موقع «ميدل إيست آي» البريطاني نشر تقريراً رصد فيه الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة التي يعيش فيه نحو مليوني فلسطيني بصورة يومية. مشيراً إلى أن عام 2020 على الأبواب وقد أثبتت تقديرات الأمم المتحدة أن احتياجات قطاع غزة المتنامية دقيقة بشكل كبير، لكن توفير الخدمات الضرورية لم يواكب النمو، فيما نحو 3% فقط من المياه الجوفية صالحة للشرب.
غير قابلة للعيش
وتوقع مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان مايكل لينك، أن الظروف الغير قابلة للعيش تحققت فعلاً، حيث أن المقياس الذي تستخدمه الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية لتقييم عيش الناس بكرامة إنسانية، أثبت أن قطاع غزة يفتقد للحياة الكريمة منذ سنوات.
وقال لينك: إن «إسرائيل كانت تريد غزة أن تبقى جائعة دون أن تدخلها في مجاعة... وتستمر الإستراتيجية الإسرائيلية بالعمل نحو هذا الهدف»، مضيفاً: «ما دامت عزة لا تثور، وطالما ليست هناك ضربات دورية ضد غزة باستخدام أكثر الأسلحة تطوراً في العالم، وما دامت غزة خارج عناوين الأخبار في العالم، فإن العالم لن يفعل الكثير لتغيير هذا الواقع».
ولاحظ الخبراء أن المساعدات الدولية للقطاع المكتظ بالسكان ربما تحول دون توقف الحياة تمامًا، إلا أنها جعلت غزة تعتمد على المساعدات الإنسانية بدلاً من تعزيز التنمية. في الوقت نفسه، تعمقت الأزمة بسبب خفض إدارة ترامب التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ووصف الأستاذ المشارك في جامعة الأقصى بغزة حيدر عيد، سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين في القطاع بأنَّها «إبادة جماعية».
وأضاف عيد: «تريد إسرائيل معاقبة الغزيين على مقاومتهم ورفضهم أن يكونوا رعايا خاضعين، وتحاول إرغامهم على التخلّي عن حقهم المكفول دولياً في العودة».
هشاشة الأوضاع
وقال كمال حواش، الاستاذ في جامعة برمنجهام، إن «سياسة إسرائيل هي سياسة الاحتواء، وفي نهاية المطاف، «تريد إسرائيل أن تبقي «على الهدوء» في غزة. إذا وفرته حماس، فلا بأس، وإذا لم تفعل، تهاجم (إسرائيل) القطاع».
وأضاف حواش: «لكي تخرج غزة من مأزقها الحالي، يجب إنهاء الانقسام الفلسطيني، ويجب أيضًا إنهاء الحصار الإسرائيلي، بما يسمح بترسيخ الاستقرار في القطاع». موضحاً أن «اللاجئين يشكلون 80% من السكان، إذا عادوا إلى منازلهم – كما يكفل لهم القانون الدولي – يمكن حينها أن تصبح غزة مكانًا صالحًا للعيش وتزدهر الحياة فيها».
ومن جانبه، أوضح جيمي ماكغولدريك منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، أنه رغم بعض التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2019 إلا أن الوضع ما زال هشاً للغاية، نظراً لارتفاع معدلات البطالة حيث بات نصف سكان قطاع غزة عاطلين عن العمل، ويعيش نحو نصف سكانه تحت خط الفقر الذي يبلغ 5.5 دولاراً في اليوم.
وقال ماكغولدريك، إن «خطة الاستجابة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة للعام 2020، تستهدف 76% من التمويل المطلوب قطاع غزة، حيث أن 62% من الأسر في قطاع غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تزال الخدمات الأساسية بما فيها الرعاية الصحية وإمدادات المياه رديئة».
وقال ماكغولدريك: «لا يمكنك فقط أن تقول «حسنًا، لا مزيد من الغذاء غدًا، لا مزيد من الدعم. لتذهبوا إلى مكان آخر». ليس هناك «مكان آخر» في غزة…. الناس هناك يعتمدون على المساعدات الإنسانية». مضيفاً «يجب علينا تحويل هذه المساعدات إلى شيء أكثر استدامة، وبالتأكيد شيء أكثر كرامة مما هو موجود الآن».
على وشك الانهيار
فيما أشار تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة (الأونكتاد) في أيلول الماضي إلى أن أسباب الانهيار الوشيك للاقتصاد الفلسطيني تتمثل في زيادة وإحكام قبضة الاحتلال، وخنق الاقتصاد المحلي في غزة، وانخفاض الدعم المقدم من المانحين، وتدهور الحالة الأمنية وانعدام الثقة بسبب الأفاق السياسية القائمة.
وأشار جيرالد روكينشوب، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن «عدم تطوير» الخدمات الصحية يعني أن التكنولوجيا الأساسية غالبًا لا تكون متوافرة داخل غزة، في حين يوجد نقص في الأدوية والفريق الطبي.
وقال روكينشوب في تصريحات صحفية إنه «ليس تدهورًا مفاجئًا، بل انخفاض مزمن». مضيفاً: «النظام دائمًا ما يكون على شفا الانهيار أو قريبًا للغاية منه».■
•    نشرت في مجلة الحرية في العدد 1756

أضف تعليق