29 آذار 2024 الساعة 08:59

أسئلة برسم السلطة الفلسطينية؟

2019-11-30 عدد القراءات : 638
في مفكرة صاحبة هذه الأسطر، تراكمت خلال الأسبوع، على ضوء التطورات، سلسلة من الأسئلة التي بات طرحها على الملأ، جزءاً من الحوار الوطني، الذي من شأنه أن يكشف مدى التباين في الرؤى والتفاصيل، وإن كانت المواقف تلتقي أحياناً حول العناوين، كما تكشف كيف يحاول البعض التغطية على السياسات الحقيقية، بادعاءات وتمويهات وتصريحات مضللة.
(1)
هل أفشلنا صفقة القرن؟!
أدلى أحد الأعضاء الرئيسيين في السلطة الفلسطينية بتصريح قال فيه إن السلطة الفلسطينية ستفشل تداعيات موقف بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة بشرعنة المستوطنات، كما أفشلت من قبل صفقة القرن (صفقة ترامب ـ نتنياهو).
أخطر ما في هذا التصريح أنه يحاول أن يوحي للرأي العام، وأن يضلله، في أن السلطة أفشلت صفقة ترامب ـ نتنياهو، وأن الصفقة كما قيل لنا، قد ماتت، وفي السياق نفسه، الاستخفاف بتصريح بومبيو والإيحاء بأنه سيهزم كما هزم ترامب من قبله. وبالتالي، توحي هذه التصريحات أن السلطة الفلسطينية ماضية في صراعها مع الصفقة، ومع السياسة الأميركية، وهي تحرز الانتصارات عليها.
• علماً أن الولايات المتحدة لم تتراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما زالت سفارتها فيها، يرفرف عند مدخلها العلم الأميركي.
• وما زالت الولايات المتحدة تصوت ضد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبحقه في دولة مستقلة.
• وما زالت تصوت ضد تجديد التفويض لوكالة الغوث، وضد حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم.
• ولم تتراجع عن قرار إغلاق مفوضية م. ت. ف. في واشنطن باعتبارها مفوضية لمنظمة إرهابية ([في هذا السياق نتساءل مع غيرنا ما دامت م. ت. ف. منظمة إرهابية في حسابات الولايات المتحدة، فما هو الإرهاب الذي تلتزم مخابرات السلطة الفلسطينية التنسيق بشأنه مع وكالة المخابرات الأميركية؟).
• وما زالت ترفض اعتبار القوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية أساساً لحل المسألة الفلسطينية، بل تعتبر أن هذه القرارات تشكل عائقاً أمام الحل (الحل بموجب صفقة ترامب ـ نتنياهو).
• وما زالت تجاهر برفضها، في إطار أي «حل دائم» قيام دولة فلسطينية، وتتحدث عن سقف سياسي لا يتجاوز حدود حكومة لإدارة ذاتية على السكان، وتحت الوصاية الإسرائيلية.
• وما زالت تنزع عن الوجود العسكري الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة بما فيها القدس وحصاره لقطاع غزة، صفته كاحتلال بل تعتبره مجرد «وجود»، ما دعا نتنياهو للذهاب أبعد حين وصف فلسطين أنها «أرضنا» و«بلدنا»، وادعى حق الاحتلال في الاستيطان فوق كل شبر منها لصالح «إسرائيل الكبرى».
• وما زالت تضع الفيتو على تنسيب دولة فلسطين للوكالات الدولية المختصة كالوكالة الدولية للطيران، أو الوكالة الدولية للملكية الفكرية وغيرها.
• وما زالت تعطل منح فلسطين العضوية العاملة في الأمم المتحدة.
• وما زالت تعطل تنفيذ القرارات ذات الصلة، خاصة القرار 2334 الذي اتخذه مجلس الأمن بالإجماع في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2016، أكد فيه أن الاستيطان غير قانوني، وأن القدس جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة بعدوان 5 حزيران /يونيو 67.
• ثم جاءت أخيراً تصريحات بومبيو، وهو يحزم حقائبه لمغادرة وزارة الخارجية، ليمنح الاستيطان بركة الولايات المتحدة، ويعلنه قانونياً وفق معايير ترامب وإدارته، وينسف في السياق كل ما جاء في قرارات الأمم المتحدة.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماعها التشاوري الأخير، يوم الأحد في 24/11/2019، رأت في تصريح بومبيو «حلقة جديدة» في صفقة ترامب.
فأين أفشلنا صفقة القرن إذن؟ وأين هي المعارك التي خاضتها السلطة كما يدعي أحد الناطقين الرئيسيين فيها، والتي ألحقت الهزيمة بالصفقة مثل هذه التصريحات تهدف إلى التضليل، وتهدف كذلك إلى إعفاء الذات من أية مسؤولية عن الصراع مع الصفقة، وتبرير تقاعسها عن تنفيذ قرارات المجلس الوطني (الدورة 23) والمركزي (الدورتان 27 + 28) وتنفيذ قرار الاجتماع «القيادي» في 25/7/2019، بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل (على فكرة ماذا حلّ باللجنة القيادية العليا التي شكلت على أعلى المستويات، من اللجنة التنفيذية، واللجنة المركزية لفتح، وحكومة السلطة الفلسطينية، لوضع خطة وآليات تنفيذ قرار 25/7/2019. لماذا لم يعد يتحدث عنها أحد، ولا حتى من أعضائها؟ على فكرة أيضاً، صاحب التصريح حول إفشال صفقة القرن هو عضو في هذه اللجنة التي ننتظر نتائج أعمالها بمزيد من الشوق واللهفة) .

(2)
هل ما زالت اللجنة التنفيذية هي قيادة الشعب الفلسطيني ؟
حين أدلى وزير خارجية ترامب بومبيو، بتصريحه الشهير حول «شرعية» الاستيطان الإسرائيلي، أعلنت السلطة الفلسطينية وقيادتها، والتي بيدها زمام القرار السياسي، التعبئة السياسية والإعلامية، وتطوع المتطوعون ليتحدثوا عن سلسلة اجتماعات قيادية، وعلى أعلى المستويات، ستبقى مفتوحة حتى إشعار آخر، لبحث هذا القرار الأميركي الخطير. وسرب البعض أن «القيادة» بصدد دراسة بعض القرارات التي تنوي اتخاذها، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، وقف التنسيق الأمني مع وكالة المخابرات الأميركية.
جرى في السياق الحديث عن اجتماعات قيادية، تضم الصف الأول في الساحة الفلسطينية واجتماع للجنة المركزية لحركة فتح، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وانتظر الرأي العام، والدوائر السياسية، والمراقبون، النتائج بذات الشوق واللهفة، الذي ينتظرون فيه نتائج أعمال لجنة وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل، خاصة وأن البعض لوح باجتماع عاجل للجنة التنفيذية، سيعقد نظامياً، أي سيترأسه رئيس اللجنة محمود عباس.
• الخيبة الأولى كانت حين تم الإعلان لاحقاً عن مجرد اجتماع «تشاوري» للجنة. أي اجتماع لا يملك صلاحية اتخاذ القرار. بل جلّ ما يحق له أن يصل إليه هو في رفع التوصيات إلى رئيس اللجنة الذي بدوره يقرر ما يراه مناسباً، وهذا مخالف لنظام عمل اللجنة التنفيذية، وتحويلها من قيادة للشعب الفلسطيني إلى مجرد مكتب استشاري لرئيس السلطة. وهذا ينقل النظام السياسي الفلسطيني من نظام برلماني، لحركة تحرر وطني، تقوم العلاقة بين أطرافها على مبادئ التوافق والشراكة الوطنية، إلى نظام رئاسي، ينفرد الرئيس، فيه، باتخاذ القرار. وهذا معناه تجريد اللجنة التنفيذية من صلاحياتها، وإزاحتها من موقعها، وإفراعها وتفريغها، وتهميشها، في إطار تهميش قرارات المجلس الوطني، وتعطيلها.
• أصدرت اللجنة التنفيذية بياناً في ختام اجتماعها التشاوري، أكدت فيه «رفضها لسياسات الإدارة الأميركية» (هل من جديد؟). ورأت أن هذا يتطلب مواجهة هذا العدوان الجديد (هل من جديد؟)، وأن هذا العدوان «يفتح شهية الاحتلال» (هل من جديد؟) ثم عادت في فقرة أخرى لتعيد «التأكيد على» رفضها السياسة العدوانية التصفوية الصهيو ـ أميركية (أيضاً لا جديد).
ثم إنتقلت اللجنة التنفيذية، ليس لاتخاذ القرارات العملية كما يتوجب عليها باعتبارها القيادة العليا للمجلس الوطني، بل إلى سرد سلسلة من «المطالبات».
• طالبت المنظمات الدولية والقانونية والإنسانية والأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل العليا «بوضع الآليات العملية بمواجهة هذه السياسات». كما طالبت «الدول العربية والإقليمية أن ترتقي بشكل عملي إلى مستوى هذه التحديات والمخاطر».
غير أن الغائب الأكبر في كل هذا، كانت اللجنة التنفيذية نفسها، التي لم تطالب نفسها بأية خطوة، وكأن اللجنة تحولت إلى مراقب، صديق للشعب الفلسطيني، يكتفي بتشريح السياسات الأميركية والإسرائيلية، ويدعو المجتمع الدولي للتضامن مع هذا الشعب وتحمل مسؤولياته نحوه، في وقت باتت اللجنة التنفيذية، هي أول من تخلى عن مسؤولياته، دون أن يأبه أعضاؤها بالحالة التي وصلت إليها، ودون أن يأبه أعضاؤها بما بات يقال عن هذه اللجنة ودورها.
وحتى عندما تطرقت اللجنة التنفيذية إلى أوضاع القدس اكتفت بعبارات مثل «شددت» و«دعت»، و«أكدت»، و«وجهت» و«طالبت»، دون أن تترجم هذا كله إلى قرار عملي واحد. خاصة وأن صلاحياتها تتيح لها:
• أن تعلن سحب الاعتراف بإسرائيل، عملاً بقرار المجلس الوطني. و(لم تقدم اللجنة التنفيذية للرأي العام الفلسطيني السبب الذي يحول دون هذه الخطوة).
• أن تعلن وقف التنسيق مع قوات الاحتلال، كما سبق وأن قررت في تموز (يوليو) 2017 إبان انتفاضة القدس وبوابات الأقصى، دون أن تقدم لها خطة وآليات لذلك.
• أن تعلن المقاطعة التامة للبضائع الإسرائيلية، و(قرارها ملزم لحكومة السلطة، باعتبار اللجنة التنفيذية هي مرجعية السلطة الفلسطينية وحكومتها).
لكن إحجام اللجنة التنفيذية عن اتخاذ أي قرار عملي، واكتفاءها بالاجتماعات التشاورية، والبيانات الصحفية، بات يشكل مؤشراً على أن المؤسسة الفلسطينية تعاني أمراض شلل خطيرة، وأنها باتت عاجزة عن مواجهة «التحديات والمخاطر» التي تحدثت عنها في بيانها الأخير، وأن «صفقة ترامب – نتنياهو» ماضية في تطبيقاتها.
ثم ألم تلاحظ اللجنة التنفيذية أن بيانها «اللؤلؤي» جاء متأخراً عن بيانات الفصائل الفلسطينية، والعواصم الغربية (!) وبعض العواصم العربية (!)، وأن موقفها لا يقاس على الإطلاق بموقف أعضاء الكونغرس الأميركي الذين قدموا عريضة اعترضوا فيها على تصريح بومبيو، ودعوا للتراجع عنه.
فكيف نصف والحال هكذا، نظاماً سياسياً فلسطينياً، بات أقصى ما يمكن أن يصدر عن مؤسساته القيادية اليومية، وفي مواجهة «التحديات والمخاطر»، مجرد بيان صحفي، لا يحمل أية خطوة عملية، ولم يلفت نظر أحد، لا الإسرائيليين، ولا الأمريكان، ولا الأوروبيين، ولا حتى الأطراف العربية. ولعل هذا ما يفسر لنا لماذا جاء اجتماع وزراء خارجية الأنظمة العربية، لبحث تصريح بومبيو، هزيلاً هو الآخر، لا يقل هزالاً عن اجتماع اللجنة التنفيذية نفسها، ولا عن الاجتماع «القيادي» الفلسطيني نفسه، لا الذي انعقد في 25/7/2019، لبحث قرار نتنياهو الشروع في ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية ولا ذلك الذي انعقد بعد تصريح بومبيو، الذي حاول أن يسبغ على مشاريع الضم الشرعية الأميركية.
(3)
هل تعنينا الأزمة السياسية في إسرائيل
وهل يعنينا أمر تشكيل حكومة جديدة فيها؟
رد على هذا السؤال، رئيس حكومة السلطة، بالنفي مؤكداً أن كل هذا لا يعنينا.
طبعاً، إجابة غير مفهومة.
إذ لو افترضنا أن الأمور تسير بين السلطة الفلسطينية وبين دولة الاحتلال، على ما يرام، لتوجب على الحكومة في السلطة الفلسطينية أن تكون معنية بالحكومة الإسرائيلية القادمة، لأنه مع هذه الحكومة سيتم تنسيق كافة القضايا المدرجة على جدول اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس.
هذا في حال أن الأمور تسير بشكل جيد، فكيف ونحن مع دولة الاحتلال في صراع يومي على المستويات كافة.
حكومة السلطة تتحدث عن الانفكاك التدريجي مع دولة الاحتلال. هذا معناه اشتباك يومي، مع وزارات المال والاقتصاد وسلطة المعابر في دولة الاحتلال. ومما لا شك فيه أن الجمود السياسي في حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، من شأنه أن يعكس نفسه على العلاقة مع السلطة وحكومتها. هذا في الشؤون الروتينية.
لكن لو ذهبنا إلى الأمور أبعد من ذلك ونظرنا إلى القضية من الزاوية السياسية الأوسع، لتوجب علينا القول إن كل ما يجري داخل إسرائيل يجب، أن يعني السلطة الفلسطينية، وعموم الحالة الفلسطينية، ولو من موقع منطقي بسيط، هو أن تتابع الحالة الفلسطينية أوضاع العدو الذي تخوض ضده الصراع اليومي. وكذلك من موقع آخر، هو الدور المنوط بالوجود الفلسطيني داخل إسرائيل عبر أحزابه وكتلته البرلمانية وواجب التنسيق القومي والوطني معها.
من زاوية أخرى، وتتعلق بيوميات الصراع مع الاحتلال وحكومته، إن موقف رئيس حكومة السلطة الفلسطينية فيه محاولة للتغطية على حالة العجز السياسي للسلطة، وشللها، وفشلها في اغتنام الفرص السياسية المتاحة للإفادة من الأزمة السياسية الخانقة لدى دولة الاحتلال. فحكومة نتنياهو في أضعف حالاتها. والنظام السياسي الإسرائيلي أخذ يفقد هيبته في نظر الإسرائيليين. وتبدو إسرائيل دولة تعاني سلسلة أمراض سياسية فشلت الدورات الانتخابية في تخليصها منها.
أليست هذه الفرصة السانحة لتنتقل السلطة وقيادتها، من دائرة الاشتباك الإعلامي، إلى دائرة الاشتباك السياسي والميداني مع دولة الاحتلال؟
أليست هذه هي الفرصة السانحة لتسجيل النقاط في الملعب الإسرائيلي؟
 لو أننا أخذنا العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة نموذجاً لأدركنا الواقع المعقد الذي تعيشه إسرائيل ما دفعها إلى التحرك لاختصار العدوان، للتفرغ لأمورها الداخلية المعقدة.
وبالتالي إن كل ادعاء أننا لسنا معنيين بما يدور في إسرائيل هو تهرب من المسؤولية السياسية، وتفويت للفرص السانحة، وتعبير عن حالة شلل وفشل سياسي، فضلاً عن كونه يحمل في طياته أمنية لم تعد خافية، بأن يتولى غانتس رئاسة الحكومة القادمة، لعل على يديها تستأنف المفاوضات التي تحولت، وخلافاً لما يقال، إلى هدف، تخرج السلطة الفلسطينية ونظامها السياسي من المأزق، وتوفر لها غطاء سياسياً جديداً، وقد باتت طرفاً مقبولاً من إسرائيل ومن الولايات المتحدة في «العملية السياسية الجديدة». التي يحلم الكثيرون أن يستعيد غانتس جثتها العفنة من أقبية الفشل المظلمة ■

أضف تعليق