19 نيسان 2024 الساعة 22:58

ماذا وراء العدوان الأخير؟

2019-11-24 عدد القراءات : 608
■جولة العدوان الإسرائيلي، التي انطلقت نيرانها يوم الثلاثاء في 12/11/2019، وامتدت حتى الخميس في 15/11/2019، دون أن تتوقف ذيولها في رشقات متفرقة، وغارات إسرائيلية محدودة لاحقاً، كان لها خصوصيتها هذه المرة، إن في سياقها الإسرائيلي، أو في تكتيكات جيش العدو، أوفي السياق الفلسطيني والإقليمي والدولي.
• أشعلت شرار العدوان جريمة الاغتيال المزدوجة التي ارتكبها جيش الاحتلال، في غزة، مستهدفاً القائد العسكري في سرايا القدس بهاء أبو العطا، وفي دمشق، مستهدفاً أحد قادة الجهاد، ما أدى إلى استشهاد نجله معاذ، وأحد مساعديه. الجريمة المزدوجة كانت واضحة للعيان أنها تستهدف الرأس القيادي للجناح العسكري لأحد مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية. لكن الملاحظ، في السياق نفسه أن الذي استهدفته الجريمة في غزة جرت محاولة «شيطنته» على الطريقة الإسرائيلية، حين نسبت علاقته إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، وكأن قوات الاحتلال كانت تود القول أن المستهدف هو «رجل طهران» في غزة، وأن المعركة هي مع «امتدادات إيران»، وليست مع الفصائل الفلسطينية.
لعبة «التحييد»
من هنا، كان الحديث واضحاً في صحافة العدو عما يسمى «تحييد» باقي الفصائل الفلسطينية ومن ضمنها حماس، في سبيل الاستفراد بفصيل دون غيره، هو «الجهاد الإسلامي»، وبجناح مقاتل دون غيره هو «سرايا القدس». ما ينبئ باستراتيجية إسرائيلية جديدة تقوم على مبدأ الاستفراد بالفصائل الفلسطينية واحداً، دون الآخر، في إطار معركة شاملة لا تستثني في الواقع أياً من هذه الفصائل، بل وتضعها كلها على سوية واحدة من درجة العداء والكراهية.
الفصائل الفلسطينية استدركت منذ اللحظة الأولى، خطورة هذه اللعبة واعتبرت أن استهداف طرف من أطراف المقاومة هو استهداف للجميع، وأن محاولة «شيطنة» سرايا القدس، مكشوفة، وبالتالي كان الرد شاملاً على يد الفصائل كافة، كما أوضح الناطق باسم كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية، أبو المجد، حواره مع «الحرية». ولإغلاق الثغرة التي حاول نتنياهو النفاذ منها إلى وحدة الموقف في القطاع، كانت الدعوة العلنية من قيادة الجبهة الديمقراطية لتقييم المعركة والأداء القتالي، والدور القيادي لغرفة العمليات المشتركة، باتجاه كشف الثغرات ونقاط الضعف، ومعالجتها وتعزيز دور غرفة العمليات. وحسناً فعل الصحفيون في القطاع، حين دعوا إلى غرفة عمليات إعلامية فلسطينية تدير المعركة ضد العدوان جنباً إلى جنب مع غرفة العمليات العسكرية.
فشل نتنياهو
• في استهداف أبو العطا، ومنزل أحد قادة الجهاد في دمشق، كان نتنياهو يأمل في تحقيق هدف يخدم معركته السياسية في قطع الطريق على تحالف «أزرق – أبيض»، لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، والضغط للذهاب وإلى جولة انتخابات تشريعية ثالثة على التوالي. بذلك يكسب نتنياهو أنه انتزع من غانتس فرصة تشكيل الحكومة، واستعاد فرصة لترتيب صفوفه في انتخابات قادمة، وأرجأ حتى إشعار آخر فتح ملفه القضائي بتهم الفساد. لذلك أراد نتنياهو أن تكون عملية الاغتيال خاطفة وسريعة. وعندما جاء الرد سريعاً، وواسعاً، وصولاً إلى تل أبيب (على يد مقاتلي الجهاد) وعسقلان (على يد مقاتلي الجبهة الديمقراطية) حاول نتنياهو أن يطوق الحدث قبل أن يستفحل.
فالحياة تعطلت في أنحاء البلاد، من الجنوب، صعوداً إلى تل أبيب. وتبين هشاشة ما يسمى «الجبهة الداخلية»، وبدأ العداد يسجل خسائر في الاقتصاد الإسرائيلي بمليار شيكل يومياً، وتصاعدت نقمة سكان مستوطنات «غلاف غزة»، خاصة بعد فشل القبة الحديدية في ردع صواريخ المقاومة. وبدأت الهجرة الجماعية إلى الشمال هرباً من رشقات صواريخ المقاومة. من هنا كانت مصلحة نتنياهو في اختصار المعركة بأسرع وقت. وحكومته هي التي أرسلت نداءاتها إلى القاهرة تطلب إليها الوساطة، وهي التي ضغطت لتحريك مندوب الولايات المتحدة ملادينوف، بين تل أبيب، والقاهرة، وغزة، لوقف سريع لإطلاق النار. وكما تقول المعلومات المتوفرة من المستويات العليا، فقد قبل نتنياهو بالتفسير الفلسطيني لوقف إطلاق النار، بحيث يشمل وقف اغتيال القيادات الفلسطينية، ليس في القطاع فحسب، بل في كل مكان. ومع ذلك، ولحفظ ماء الوجه، خرج نتنياهو، بعد الوصول إلى تفاهم جديد لوقف النار يواصل قرع طبول الحرب، إعلامياً، هذه المرة، متحدثاً إن حكومته لم توافق على وقف الاغتيالات، في محاولة منه للحفاظ على شعبيته، في ظل المساءلة الواسعة له عن الانتصار الذي حققته دولة العدوان في جولتها الأخيرة، كما حاول أن يدعي.
وحدة على الباطل
• على الصعيد الإسرائيلي، توحدت القوى السياسية خلف نتنياهو، وخلف جيش العدوان وهذه ظاهرة عادية نشهدها على الدوام في دولة إسرائيل، حيث تقف كل الأحزاب الإسرائيلية في الموالاة والمعارضة، خلف الحكومة، وخلف الجيش. ثم تعود الخلافات والصراعات بعد وقف إطلاق النار. وهذا أيضاً ما شهدناه الأسبوع الماضي. فقد تساءلت أحزاب معارضه عن الجدوى من الحرب العدوانية الأخيرة على القطاع. وعن جدوى اغتيال أبو العطا، وزوجته ومحاولة اغتيال أكرم العجوري في دمشق. وباعتراف إسرائيليين فإن سياسة الاغتيال لم تحقق لإسرائيل أية انتصارات، إذ سرعان ما يتم ملء الفراغ بقادة جدد. إن على المستوى السياسي أو المستوى العسكري، إن في قطاع غزة، أو في الضفة الفلسطينية، أو في الخارج. لكن ما لم تعترف به هذه الأحزاب هو أن الاغتيال، أسلوب تتبعه إسرائيل كأحد أساليبها لمواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني، والتأكيد أن الحرب معه مازالت مستمرة، بحيث يصح القول إن إسرائيل تحتاج دوماً إلى عدو، تخيف بها شعبها، وتعزز وحدتها الداخلية كلما تعرضت للاهتزاز. ولا مبالغة في القول إن إسرائيل كدولة احتلال وعدوان وتوسع، لا تستطيع العيش دون عدو، تسلط الضوء عليه بين فترة وأخرى لتشد عصب الحالة الداخلية. لذلك تندرج في إطار الاستراتيجية التحريضية الإسرائيلية ضرورة تركيز إعلامها على «الخطر» الذي يشكله قطاع غزة على أمنها، واستقرارها. ما يبرر أعمالها العدوانية، من اغتيالات فردية أو جماعية أو قصف جوي أو مدفعي، مع فرض حصار دائم على القطاع.
• هل حققت إسرائيل أهدافها من هذا العدوان؟
الأبناء الأولية، حتى كتابة هذه السطور، تقول بإمكانية فوز غانتش بفرصته لتشكيل الحكومة. أي فشل خطة نتنياهو، وذهابه بالتأكيد إلى القضاء.
قد تكون الأعمال العدوانية قد ألحقت بعض الضرر بالبنية التحتية في القطاع، لكن مثل هذا الأمر لا ينفصل عن كونه جزءاً من المعركة المفتوحة ضد الاحتلال، وجزءاً من الضريبة المتوجب على الشعب الفلسطيني دفعها، بما في ذلك تقديم التضحيات، من الصف القيادي الأول، حتى أصغر طفل فلسطيني.
انتهت الجولة، ولا نستطيع أن نتنبأ بمواعيد الجولة القادمة. لكن يبقى السؤال الاستراتيجي الذي أثرنا عدم الولوج فيه الآن وأرجأناه إلى فرصة لاحقة.
كيف تصرفت السلطة الفلسطينية وقيادتها والتي بيدها زمام القرار السياسي إزاء العدوان على القطاع. خاصة وأن تصريحاً، كالذي ورد على لسان القائد في فتح زكريا الآغا، في التعليق على موقف السلطة، يحمل في طياته الكثير مما يجب قوله في هذا السياق.■

أضف تعليق