19 نيسان 2024 الساعة 23:50

الاتحادات الشعبية الفلسطينية في لبنان: الدور المفقود واستراتيجية النهوض

2019-11-16 عدد القراءات : 493
منذ نشأتها أسست م.ت.ف دائرة للتنظيم الشعبي، وأوكلت اليها مسؤولية متابعة الاتحادات الشعبية الفلسطينية، والإشراف على إنتخاباتها، والمشاركة في مؤتمراتها العامة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها، لتمكينها من القيام بمهامها وتطوير نشاطاتها في كل المجالات.  وتضم الدائرة عدداً من الاتحادات منها، الاتحاد العام لطلبة فلسطين، الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين، الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، الاتحاد العام للكتاب والادباء، الاتحاد العام للمهندسين، والأطباء والحقوقيين، وغيرها من الاتحادات والمنظمات المعنية بمختلف شرائح وفئات شعبنا الفلسطيني.
ولا شك أن الاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية في لبنان لعبت دوراً هاماً على مدى سنوات طوال، وساهمت في توحيد صفوف الفئات الوطنية والقطاعات الاجتماعية للشعب الفلسطيني بتجمعاته المختلفة، وفي إبراز شخصيته وهويته الوطنية المستقلة، كما ساهمت في ابراز دور حركة اللاجئين والدفاع عن حق العودة ومواجهة كل مشاريع التهجير والتوطين، إلى جانب مساهمتها الفعالة في الدفاع عن الثورة الفلسطينية وانخراطها الواسع في الكفاح الوطني الفلسطيني.
التعاطي مع الاتحادات بطريقة استخدامية
الا أن العديد من الاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية في لبنان تعيش حالة من التراجع والغياب والتهميش منذ سنوات طويلة. وهذا الواقع الذي تعيشه الاتحادات هو بطبيعة الحال نتاج حالة من الصراع بين مفهومين، الأول لا ينظر إلى قواعد الاتحادات إلا كقوة انتخابية يستخدمها كي تؤمن له أغلبية في الهيئات القيادية تؤمن له استصدار قرارات تتلاءم وسياساته، وبالتالي لا ينظر إلى هذه القواعد والفئات الشعبية من منظور تنظيمها ورص صفوفها على أرضية برامج عمل تحقق المصالح الوطنية والإجتماعية لهذا القطاع أو ذاك، وإنما ينظر اليها فقط من المنظور الإستخدامي بعيداً عن احتياجاتها وتطلعاتها وهمومها. ومفهوم آخر ينطلق ويؤمن بضرورة تنظيم القاعدة النقابية وتشغيلها ببرنامج عمل اجتماعي وطني يستهدف توعية هذه القاعدة بحقوقها وواجباتها الوطنية، وتعميق الحياة الديمقراطية وترسيخها داخل أطرها وهيئاتها وتمليكها برامج عمل تمكنها من الدفاع عن حقوق ومصالح قواعدها.
تعطيل الاستحقاقات الديمقراطية
وتعاني الاتحادات بوجه عام من عدم التقيد بمواعيد محددة لتنظيم انتخاباتها وعقد مؤتمراتها العامة، وهذا يعود لأسباب مختلفة منها ما له علاقة بضعف دور الدائرة ومتابعتها لهذا الأمر، وغياب الإرادة السياسية لإنجاز هذه الإستحقاقات، إلى جانب حالة الشلل والتعطل التي تعانيها الأمانات العامة للعديد من الاتحادات.
ومن المؤكد أن تعطيل الإستحقاقات الديمقراطية وعدم عقد المؤتمرات العامة أو تأخرها لفترات طويلة كما هو حال الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية واتحاد الكتاب والحقوقيين على سبيل المثال لا الحصر، يؤثر سلباً على تطوير بنية الاتحادات وعملها وهياكلها ولوائحها الداخلية، وينعكس بالتالي على ثقة القواعد الجماهيرية  بها، وعلى قدرتها على التمثيل الحقيقي للقطاعات المعنية بها أو بالعمل على تحقيق أهدافها الداخلية أو المتعلقة بالشأن العام. مع الإشارة إلى نجاح بعض الاتحادات بتجاوز حالة الترهل القائمة في هيئاتها المركزية  وقيامها بمبادرات وجهود محلية بعقد مؤتمراتها الفرعية. كما هو حال الاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي عقد مؤتمره في لبنان بمعزل عن أي دور وجهد من الهيئة التنفيذية.
وهنا نعتقد أن التعاطي بمسؤولية وجدية مع هذا الملف من قبل منظمة التحرير الفلسطينية من شأنه أن يعيد الإعتبار للحركة الجماهيرية الفلسطينية التي تعاني اليوم حالة اغتراب حقيقي نتيجة الإهمال وسياسة التهميش الممارسة بحقهم منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993.
ومن نافل القول في هذا المجال أيضاً، إن شعبنا الفلسطيني بات يشعر اليوم بأكثر من رغبة للصراخ، والثورة على واقع التهميش الذي يعيشه، إنه مشحون بطاقة الرفض والتمرد، ويشعر أن أطواقاً من العزلة والتهميش والتغييب تشتد حوله، وكل التوصيفات الجاهزة والصيغ الفوقية والحلول الوهمية والمجزوءة، ومؤسسات واتحادات الرعاية المفترضة، جميعها اليوم وبواقعها المأزوم تفتقد الأهلية على التعايش مع الواقع ومعطياته، والقدرة على تلبية متطلبات الفئات والشرائح الاجتماعية والمهنية المتعددة.
أزمات متفاقمة وأدوار مفقودة
على مدى سنوات طوال، عانى شعبنا الفلسطيني في لبنان بمختلف شرائحه وفئاته الاجتماعية من أزمات ومشكلات عديدة، منها ما له علاقة بحالة الحرمان المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين بسبب السياسات والقوانين اللبنانية التمييزية، ومنها ما له علاقة بتراجع خدمات الأونروا وتقليصاتها المتواصلة للخدمات والبرامج التي تديرها على كافة الصعد التعليمية والصحية والاغاثية، إلى جانب المخاطر الكبرى التي تتهدد قضية اللاجئين وحق العودة، وغيرها من المشكلات السياسية والاجتماعية الأخرى التي تعاني منها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وبنظرة سريعة لواقع الاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية في لبنان وكيفية تعاطيها مع هذه التحديات يمكن ان نتلمس بشكل واضح غيابها وتراجع دورها وعدم مواكبتها للتحديات المطروحة ببرامج عمل تلبي احتياجات ومشكلات اللاجئين وهمومهم المتعددة، وهذا ما لمس بشكل واضح خلال التحركات الشعبية والجماهيرية الفلسطينية التي انطلقت في مخيمات لبنان قبل اكثر من شهرين ضد اجراءات وزارة العمل اللبنانية، حيث كان من المفترض أن تتصدر الاتحادات الشعبية الفلسطينية ولا سيما اتحادات العمال والمهندسين والأطباء والحقوقيين .. وغيرهم مشهد الحراك الشعبي وتساهم في الزج بأوسع القطاعات والفئات المهنية الأكثر تضرراً من إجراءات وزارة العمل اللبنانية بهذه التحركات، إلا أن المتابع للأمور يتلمس ابتعاد هذه الاتحادات عن الحركة الجماهيرية والقواعد الشعبية، وافتقادها للبرامج وخطط العمل والارادة الجدية التي تمكنها من تأطير صفوف الجماهير وقيادة نضالاتها، وهذا بكل تأكيد يترك آثاراً سلبية كبرى تؤدي إلى فقدان القواعد الشعبية لثقتها بهذه المنظمات والاتحادات وابتعادها عن الانخراط فيها أو الانتساب اليها . وهذا ما يجعل القطاعات الشعبية والمهنية تعيش حالة من العزلة والاغتراب وفقدان الأطر المنظمة لعملها والقادرة على حمل همومها ومشكلاتها، والمعنية ببلورة برامج العمل التي تمكنها من انتزاع حقوقها.
الدور المطلوب
من هذا المنطلق يمكن القول إن تفعيل الاتحادات الشعبية وتمكينها من أداء دورها في توحيد وتنظيم أوسع الفئات الاجتماعية والإرتقاء بمستوى تعبئتها ومشاركتها في النضال الوطني الفلسطيني، يتطلب التخلص من عقلية الهيمنة والتفرد لصالح ترسيخ الحياة الديمقراطية داخل صفوف هذه المنظمات والإتحادات من خلال الالتزام بانتظام عقد مؤتمراتها واجراء الانتخابات وفقا لنظام التمثيل النسبي الكامل، وتطوير برامج عملها بما يستجيب للمصالح والمشكلات الملحة للفئات الاجتماعية التي تمثلها، وتنظم النضال من أجل تلك المصالح ووضع الحلول لتلك المشكلات.
وهذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية تنطلق من الوعي والقناعة بأهمية تلك الاتحادات وضرورة تفعيلها وعدم التعامل معها بطريقة استخدامية، إلى جانب أهمية  توفير كل الامكانات المطلوبة لنجاحها، حيث تفتقد الاتحادات لأي دعم يذكر، في الوقت الذي نجد فيه صرف الاموال على قضايا عديدة بطريقة فئوية ولمصالح حزبية، بينما تحرم هذه المؤسسات الوطنية من أبسط مقومات العمل والاحتياجات الاساسية التي تمكنها من أداء دورها والقيام بالمهام الوطنية والاجتماعية والنقابية الموكلة اليها.
وعلى هذا الأساس، فإن قضية تفعيل وتطوير دور الاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية في لبنان باتت ضرورةوحاجة وطنية ملحة، حيث لم يعد بالإمكان الاستمرار بذات الطريقة والسياسة القائمة في التعاطي معها، خاصة ونحن نعيش ظروفاً وتحديات ومخاطر كبرى تستدعي الاسراع في تنظيم صفوف شعبنا وتوحيد طاقاته وفئاته الاجتماعية لتمكينه من مواجهة هذه المخاطر والاسهام الأكبر في العملية النضالية، إلى جانب تفاقم همومه ومشكلاته المعيشية والاقتصادية والحاجة الملحة لوجود أطر وهياكل نقابية منظمة تدافع عن حقوقه وتصون مصالحه. ■

أضف تعليق