25 نيسان 2024 الساعة 09:21

إستقالة المفوض العام وتداعياتها على مستقبل الأونروا

2019-11-16 عدد القراءات : 1046
لطالما عرقلت الإدراة الأميركية جهود محاربة الفساد في الأونروا وأفشلت جميع خطط إصلاحها، وزرعت فيها موظفين فاسدين
في خطوة متوقعة، واستباقاً لحدثين مهمين، قدم المفوض العام لوكالة الغوث السويسري بيير كرينبول إستقالته، قبل موعد إنتهاء ولايته الرسمية في 30 آذار القادم، وبعد نحو خمسة أعوام ونصف في هذه المهمة(30 آذار/ مارس 2014 حتى 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019) تاركاً الباب مشرعاً أمام الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه الإستقالة.
خلفيات الاستهداف
الحدثان على علاقة ببعضها البعض ويشكلان محور الإستهداف السياسي الذي تتعرض له وكالة الغوث منذ فترة وهما:
1) إقتراب موعد التصويت في الجمعية العامة على التجديد لوكالة الغوث لولاية جديدة مدتها ثلاث سنوات والمقرر في بداية الشهر القادم، حيث تأتي الإستقالة في هذا التوقيت لتعيد خلط الأوراق من جديد، بعد أن تأكد أن عدداً واسعاً من الدول ستصوت إيجاباً لصالح التجديد بصيغته المقترحة (ثلاث سنوات وليس سنة واحدة كما يريد التحالف الأميركي - الإسرائيلي).
2) الإنتهاء من التحقيقات التي أجراها «مكتب الرقابة الداخلية» في الأمم المتحدة الذي أنجز تقريراً مفصلاً، لم يعلن عنه حتى اللحظة وأستعيض عن ذلك بتسريب أجزاء منه بما يخدم، سياسياً، إستراتيجية الولايات المتحدة.. خاصة وأن العديد من المؤشرات توحي بأن النتائج الأولية للتقرير لا تظهر قيام المفوض العام بعمليات «إحتيال أو إساءة إستخدام أموال..»، وفقاً لما ورد في البيان الرسمي لمكتب الأمين العام. ويبين التقرير أن وكالة الغوث، كمنظمة، ما زالت بعيدة عن أية شبهات، وما حصل هو مجرد مزاعم تشمل تورط مدراء كبار في «سوء سلوك جنسي، ومحسوبية، وإنتقام وتمييز وغيرها من إساءة السلطة لتحقيق مكاسب شخصية».
ما يعني أن الأسباب الفعلية لإستقالة المفوض العام هي سياسية وتعود الى تصفية حسابات سابقة بين الإدارة الأميركية وإسرائيل من جهة وبين وكالة الغوث ممثلة بالمفوض العام من جهة ثانية، وتتعلق بتلك المرحلة التي أعلنت فيها الإدارة الأميركية قطع مساهماتها المالية عن الوكالة التي أطلقت، عبر المفوض العام وغيره من كبار الموظفين، حملة «ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻻ ﺗﻘﺪﺭ ﺑﺜﻤﻦ» وتمكنت من جمع تبرعات مالية تجاوزت تداعيات الأجراء الأميركي، بل إستطاعت تحقيق وفر مالي لأول مرة منذ سنوات.
الغريب أن الفقرات المسربة من التقرير لم تتوقف كثيراً عند عمليات فساد وإصلاح. وأن ما نقل من معلومات، سواء على لسان المتحدث بإسم الأمم المتحدة أو الناطق بإسم الأونروا، لم يشر صراحة إلى «وجود قضايا فساد أو احتيال أو سوء إدارة للأموال التي قدمتها الدول المانحة». لذلك لا يمكن تفسير الإستقالة، في توقيتها، إلا بإعتبارها جزءاً من عملية متكاملة تستهدف الوكالة سياسياً، وهو أمر لم يعد سراً ويأتي ذكره على لسان مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بشكل يومي. بل إن الإدارة الأميركية، ومنذ سنوات، تعمدت زرع موظفين فاسدين في مناصب حساسة في الوكالة في إطار خطة تهدف في وقت لاحق إلى الإساءة للوكالة وإتهامها بالفساد. ولهذا السبب عرقلت كل جهود محاربة الفساد وأفشلت جميع خطط الإصلاح في الوكالة. ولعل حيثيات إستقالة نائب المفوض العام الأميركية ساندرا ميتشل قبل أربعة أشهر تقدم النموذج الفاقع على «الفيلم الأميركي» الذي قام على تشجيع ودعم الفساد والمفسدين، ومن خلال ذلك تركيب العديد من الملفات المالية والأخلاقية ضد كبار الموظفين لتستخدمها في توقيتها المناسب.
ففي عام 2011 وجهت لجنة تحقيق خاصة في الأمم المتحدة تهم بالفساد إلى الأميركية ميتشيل وكانت تشغل منصباً رفيعاً في الوكالة في الأردن، وهي معروفة بعلاقتها الجيدة بوزارة الخارجية الأميركية، فما كان منها إلا أن قدمت إستقالتها من منصبها تحت ضغط روائح الفساد، إلا أن المفاجئة كانت بتعيينها نائبة للمفوض العام، بعد أربعة أشهر من إستقالتها، نتيجة  ضغوط من وزارة الخارجية الأميركية.
لكل ذلك قلنا بإستحالة الفصل بين «إستقالة» أو «إقالة» المفوض العام وبين الإستهدافات المباشرة التي تتعرض لها الوكالة من قبل الثنائي الأميركي - الإسرائيلي الذي يعلن بشكل يومي أنه يعمل من أجل إلغاء وكالة الغوث وتصفية خدماتها في إطار مشروعه العدواني ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.. وبغض النظر عن صحة الإتهامات الموجهة إلى المفوض العام أو إلى منظمة الأونروا، وهي في جزء كبير منها إتهامات سياسية، فإن أولى معايير الشفافية هي بنشر نتائج التقرير حول «شبهات فساد» في الوكالة، حتى لا تبقى الأمور رهينة  للسياسات الأميركية التي، وتحت ما يسمى شبهات فساد، تحرض دول العالم بشكل يومي على الوكالة. كما أن دول العالم معنية بأن تميز بين شبهات فساد يمكن تطال بعض الموظفين، ويتحمل عواقبها أصحابها بشكل شخصي، وبين إستخدام هذا الأمر لإدانة الوكالة وإتهامها، كمنظمة بالفساد، ما يجعل شكوكنا حول تسييس مسألة التحقيقات وتوقيتها في مكانه.
مخاطر التوقيت
إن مبعث القلق نابع من توقيت طرح هذه المسألة عشية تجديد التفويض، لذلك دعونا ولا زلنا ندعو دول العالم إلى الفصل بين نتائج التحقيق، بغض النظر إذا ما كان هناك شبهات فساد أم لا، وبين ضرورة التصويت إيجاباً لصالح التجديد ثلاث سنوات، والعمل بشكل جدي على زيادة المساهمات المالية في موازنة وكالة الغوث بما ينسجم مع الإحتياجات المتزايدة للاجئين. مع التأكيد الدائم بضرورة إبعاد الوكالة عن دائرة الضغط الأميركي والإسرائيلي وتمكينها من وضع إستراتيجيات عملها وطريق تنفيذ برامجها بمعزل عن التدخلات الأميركية التي تهدف إلى حرف برامج عمل الأونروا عن مسارها.
إن وكالة الغوث منظمة دولية تعمل تحت إشراف الأمين العام والجمعية العامة وفق نظام الموظفين الذي يحكم عمل جميع منظمات الأمم المتحدة، وبالتالي فإن أي شبهة فساد تبقى واردة ويمكن أن تحصل بشكل يومي في جميع المنظمات الدولية، غير أن إدانة الأفراد لا يعني بأي شكل من الأشكال إدانة المؤسسة. فكم من حالات فساد تم اكتشافها في العديد من منظمات الأمم المتحدة، لكن هذا لم يعن للحظة إدانة المؤسسات التي ظلت تمارس عملها بشكل طبيعي. وهذا ما عبر عنه على كل حال مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي قال: «إن الأمر يتعلق بكرينبول شخصياً وليس بالوكالة، ويتعلق بجزء من التحقيق وليس بالتحقيق كاملاً، وبالتالي محاولات الإصطياد في الماء العكر لإستهداف الوكالة سيكون مرفوضاً والحذر من الإستغلال مع الإقتراب من موعد التصويت للتجديد لعمل الوكالة».
 لذلك ندعو إلى التعاطي مع الوكالة على هذه القاعدة عبر التعاطي مع موظفيها والعاملين فيها إنطلاقاً من أنظمة العمل التي تحكم عمل منظمات الأمم المتحدة وخارج إطار التهديد الدائم بحل وكالة الغوث وتصفية خدماتها. ■

أضف تعليق