29 آذار 2024 الساعة 08:39

الهروب إلى الانتخابات تهرباً من الأولويات

2019-10-03 عدد القراءات : 522
■ عشية سفر الوفد القيادي الفلسطيني إلى نيويورك، للمشاركة في الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح البعض أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ستعقد اجتماعا بحضور رئيسها، لوضع خطة وبرنامج التحرك في المنظمة الدولية.
قبل ساعات على انعقاد الاجتماع، كان الوفد قد سافر إلى العاصمة الأردنية عمان، ثم إلى النرويج، وبعدها إلى نيويورك. وبالتالي غابت اللجنة التنفيذية عن المشاركة في وضع خطة التحرك في نيويورك.
اجتمعت اللجنة التنفيذية، ولم تجد شيئاً تناقشه، سوى البحث في إصدار بيان عن أعمالها(!). لكنها لم تجد من يكتبه أمام اعتكاف البعض عن ذلك، احتجاجاً على تردي الوضع في اللجنة.
لذلك صدر بيان هزيل، مفكك، فيه من كل وادِ عصا، وعن كل قضية فقرة، لكنه مع كل ذلك افتقر إلى الرؤية السياسية، وبدا أكثر هزالة من بيان يصوغه تلاميذ في مدرسة ابتدائية.
لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل استمرت آلة الإنتاج والتعفيش الإعلامي المفبرك تعمل بكل طاقتها، تمهيداً لاستقبال خطاب الوفد الفلسطيني إلى الجمعية العامة.
ورغم أن رياض منصور، سفير فلسطين في الأمم المتحدة، ورياض المالكي، وزير خارجية السلطة الفلسطينية، قد أوضحا، أن الخطاب سوف يعيد التأكيد على قضايا قديمة، وأنه لن يحمل جديداً، وأن نقطته الجوهرية هي التأكيد على مبادرة 20/2/2018، الداعية إلى استئناف مفاوضات أوسلو، إلا أن بعض المحافل السياسية في رام الله، أخذت على عاتقها زرع الوهم بأن الأمم المتحدة تنتظر مفاجأة فلسطينية. حتى أن البعض، كاللجنة المركزية لحركة فتح، أعلن تأييده للخطاب، ووقوفه خلف السياسة التي يحملها الخطاب، حتى قبل إلقائه أمام المحفل الدولي، ما أثار استغراب المراقبين، ودهشتهم، واضطرهم إلى الوصول إلى خلاصات سياسية، نظرت من خلالها إلى المؤسسة الفلسطينية نظرة دونية.
■  ■  ■
ألقى الوفد الفلسطيني خطابه، وكما علقت الدوائر السياسية، فقد لقي ردود فعل باهتة، بل إن البعض أحس وكأن الخطاب باغت الحالة الفلسطينية بما حمله من مواقف ودعوات، وعمّق إحساسها بالمأزق السياسي الذي تعيشه السلطة الفلسطينية وقيادتها.
الخطاب كان حافلاً بالشكاوي، والتظلمات، مرة ضد الولايات المتحدة ومرات ضد قوات الاحتلال وحكومته.
لكنه بالمقابل خلا من أية خطة، أو استراتيجية سياسية، تعبر عن رؤية معينة لدى القيادة الفلسطينية، لمواجهة السياسات الأميركية والإسرائيلية. كان خطاباً بلا مضمون فعلي، حتى ردود الفعل إزاءه كانت باهتة. ولم تنجح الآلة الإعلامية، في رام الله، رغم ما هو متوفر لها من إمكانيات ضخمة، أن تروج للخطاب، وأن تبنى حوله أجواء الترحيب، وأن ترتقي به إلى مستوى الاهتمام المطلوب.
إذ سرعان ما تلاشى أثر الخطاب في النفوس، ولم يتبق منه، وحوله، سوى التعليقات حول بعض المواقف النافرة التي ألحقت الضرر بالحالة المعنوية الفلسطينية.
لقد أدرك الفلسطينيون أن السلطة الفلسطينية وقيادتها تعيش حالة إفلاس مركبة. إفلاس مالي، بعد قرار وقف استلام أموال المقاصة ثم البحث عن «حل التفافي» لاستلامها على دفعات.
وإفلاس سياسي، لا يملك الحد الأدنى من الإرادة السياسية لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية والحقوق الفلسطينية، سوى المحاولات الفاشلة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لإحياء اتفاق أوسلو، بعدما أعلنت حكومة الاحتلال وفاته.
حتى كلمات الوفود العالمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجاهلت القضية الفلسطينية، بما في ذلك وزير خارجية دولة الاحتلال نفسه، الذي كان محور كلمته «الإرهاب الإيراني»، متجاهلاً القضية الفلسطينية. ولولا بعض الجمل التي قالها وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، حول سياسة الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية، ومحاولاتها الدؤوبة لنسف قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي كأساس للحل، لخلت كل الكلمات من أي أثر لقضية فلسطين.
ولا نعتقد أن هذا التراجع الدولي بالاهتمام بالقضية الفلسطينية، سببه طبيعة القضية نفسها. بل السبب يعود إلى سياسة السلطة الفلسطينية وسياسة قيادتها، وتراجعها المستمر، ورفضها التقدم إلى الأمام، ومحاولاتها التلطي خلف الشرعية الدولية، وتحميلها وحدها مسؤولية السياسات الإسرائيلية، في تهرب واضح من المسؤولية الملقاة على عاتق السلطة في التصدي الميداني للاحتلال، وتطبيق ما رسمته المؤسسة الوطنية من قرارات وسياسات واستراتيجيات.
■  ■  ■
ما زاد في دهشة المراقبين، أن يتم الإعلان عن تنظيم انتخابات شاملة في مناطق السلطة الفلسطينية، من على منبر الأمم المتحدة. ترى ما هي علاقة الدورة العادية للمنظمة الدولية، بقرار الفلسطينيين بتنظيم انتخابات لإعادة بناء مؤسساتهم الرئاسية والتشريعية في السلطة وفي م.ت.ف؟
لم يسبق لأي رئيس أن فعل الأمر نفسه، في سابقة دولية. ما  اضطر المراقبين لوضع هذه الدعوة في إطارها الصحيح، رداً على ما أثاره القرار من تساؤلات: من هي السلطة المعنية باتخاذ قرار بتنظيم الانتخابات الشاملة؟ لماذا لم يتم التشاور بذلك مع اللجنة التنفيذية. عدم التشاور معها، زادها تهميشاً، وعمق عزلتها عن المسار العام للحالة الفلسطينية وبات يطرح أسئلة جدية حول جدوى بقاءها عالة على الحالة الفلسطينية.
ما هي طبيعة النظام السياسي الفلسطيني هل هو نظام برلماني ديمقراطي، كما تنص وثائقه، أم هو نظام رئاسي يديره رئيس خارج رقابة أية مؤسسة؟
فضلاً عن ذلك، في أي سياق سياسي تندرج هذه الدعوة؟ وما هي أولويات العمل الوطني الفلسطيني، الانهماك الآن في نقاش عقيم حول الانقسام، وكيفية إنهائه، وإمكانية إجراء الانتخابات في القدس، أو ضمان عدم تدخل حماس في الإشراف على الانتخابات (كما هو متوقع أن تعلن عنه رام الله كشرط لازم)؟ أم أن الأولوية الآن، هي إنقاذ المشروع  الوطني الفلسطيني، كما رسمتها دورات المجلس المركزي (27 + 28) والوطني (23) في الخروج من أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وإطلاق سراح القضية الفلسطينية من قيودهما والتزاماتها، وإعادة بناء الاستراتيجية السياسية الكفاحية للحالة الوطنية الفلسطينية؟
ليست الأولوية الآن أن تدخل السلطة الفلسطينية «اشتباكاً» مع الاحتلال الإسرائيلي حول سماحه لها بتنظيم انتخابات دون تدخل منه. أو السماح لها في إشراك المقدسين بالانتخابات.
وليست الأولوية الآن العودة إلى «الاشتباك» مع حماس حول عدم التدخل في أعمال لجنة الانتخابات المركزية أو التدخل في حرية الاقتراع.
ليست الأولوية الآن أن تتراشق الحالة الفلسطينية بالاتهامات حول شروط تنظيم الانتخابات ونجاحها،  للوصول، فيما بعد إلى إلغائها، وتحميل هذا الطرف أو ذاك. مسؤولية الإلغاء.
الأولوية الآن، هي حسم العلاقة مع دولة الاحتلال.
هل هو «شريك» في عملية سلام وهمية عبر مفاوضات لا تتوفر الشروط الوطنية لانعقادها؟
أم هي دولة احتلال واستيطان، نظام آبارتهايد، عنصري، تقوم العلاقة معه على قاعدة الصراع الميداني والسياسي وبكل أشكال المقاومة؟
خطاب نيويورك تهرب من هذه الخلاصة..
فهرب إلى الانتخابات.■

أضف تعليق