19 نيسان 2024 الساعة 11:30

«المسيرات» بعد عامها الأول

2019-04-06 عدد القراءات : 673
تساءل كثيرون عن مستقبل «مسيرات العودة  وكسر الحصار» بعد «مليونية العودة» من زاوية حجم المشاركة الشعبية،وعما إذا كانت الإجراءات والخطوات التي تأتي في سياق التهدئة ستخلق مناخا أقل حماسة لتفعيلها وتطويرها كما كان مطروحا في بدايات انطلاقتها.
وهناك من رأى أن تخفيف إجراءات الحصار، في حال نجحت المساعي المصرية والأممية والتزم الاحتلال بما وافق عليه، ستنعكس حكما على وظيفة المسيرات،وبالتالي على زخم المشاركة، لتتحول تدريجيا إلى فعل دوري رتيب يضمحل تدريجيا وربما يتلاشى.
ويستند هؤلاء في رأيهم إلى أن حضور«المسيرات» كملف تفاوضي على طاولة المباحثات غير المباشرة مع الاحتلال يعني خضوعها بالمجمل لحسابات المقايضة، على اعتبار أن تل أبيب ترى أية تسهيلات إدارية وخدمية لأهل قطاع غزة بمثابة «هبة» تستوجب التزامات فلسطينية صارمة تحت مجهر رقابة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
شكل انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار نقلة هامة في مسار العمل الوطني في القطاع ،وكان أول انجازاتها الكبرى توجيه الاحتقان الشعبي والسياسي الغزي نحو مسببه الأساسي،الاحتلال. وأفشلت بذلك الرهانات الإسرائيلية على وقوع الانفجار في البيت الفلسطيني المنهك أساسا بفعل أزماته المركبة والمتراكمة.
وتمثل انجازها الثاني في تصدر المقاومة الشعبية المشهد الميداني والسياسي في غزة ،والتي ربطت في أهدافها مابين تداعيات النكبة الفلسطينية الكبرى وبين استمرار سياسات الاحتلال العدوانية والتوسعية، تحت شعارات مستمدة من البرنامج الوطني العام الذي يوحد نضالات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.ولهذا السبب وجدت هذه المسيرات صداها القوي والمباشر في كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عامي 48 و67 وفي مواقع اللجوء والشتات.
ويمكن القول إن إنجازها الثالث هو أنها نقلت العلاقات البينية في الحالة الفلسطينية بغزة إلى مرحلة تبدى فيها التنسيق الجماعي بين معظم مكوناتها عبر تشكيل الهيئة الوطنية العليا للمسيرات، وقد انعكست الوحدة في ميدان المواجهة الشعبية على تفعيل المواجهة العسكرية الجماعية للعدوان، كما حصل قبل نحو شهرين عندما اضطر الاحتلال إلى وقف عدوانه تحت وطأة الرد القوي والموحد للأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.
وشدت المسيرات وما يقع بحق المشاركين فيها من جرائم القتل العمد على يد جنود الاحتلال اهتمام الرأي العام بمستوياته المختلفة، ودفع ذلك الكثير من  الجهات الرسمية والمؤسسات الحقوقية والأممية إلى استنكار الجرائم الإسرائيلية وصدرت تقارير عديدة تكشف هذه الجرائم وتدعو إلى محاسبة مرتكبيها.
وانتقل بالتالي قطاع غزة بفعل هذه المسيرات من مجرد خزان للمآسي والأزمات تراهن تل أبيب على انفجاره  بوجه الفلسطينيين أنفسهم، إلى مخزون نضالي من الطاقات المتحركة على الأرض في مواجهة الاحتلال، وشكلت المسيرات باستمرارها وزخمها أبرز عوامل القلق السياسي والأمني لدى حكومة نتنياهو، وانشغل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر طيلة الفترة الماضية في بحث كيفية احتواء هذه المسيرات بعد فشل الحل الأمني في قمعها وإخمادها.
 ومن هذه الزاوية بالأساس تحدثت تل أبيب عبر الوسطاء عن استعدادها لتسهيل القيام بإجراءات إدارية وخدمية تساهم في تخفيف الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية التي يعانيها أهل القطاع،مقابل خطوات فلسطينية تتعلق بطبيعة الفعاليات التي تشهدها المسيرات من نمط البالونات الحارقة وعمليات الإرباك الليلي لجنود الاحتلال.وبالطبع هناك مطالب إسرائيلية أبعد من ذلك لها علاقة بموازين المواجهة العسكرية على الأرض وما تسميه تل أبيب بحفظ الأمن في القطاع بما لا يهدد أمنها.
ثمة إرادتين تتصارعان على مستقبل قطاع غزة،وفي السياق على طبيعة الأهداف المرجوة من تقديم التسهيلات الحياتية لسكانه، إرادة الاحتلال الذي يسعى إلى إعادة ترتيب أوضاع القطاع والحالة السياسية فيه بما ينسجم مع أهداف المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، والذي يعتمد على تعميق الانقسام وتأبيده بما يمكن من رسم مستقبل خاص للقطاع  عبر القطع مع وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة التي حتى اتفاق أوسلو يعترف بها.
بالمقابل هناك رؤية فلسطينية سياسية وشعبية عامة في القطاع تعتبر أن أية تسهيلات قادمة هي جزء من حقوق القطاع وأهله تمت مصادرتها على يد الحصار الإسرائيلي. وأن الاحتلال اضطر للموافقة على هذه التسهيلات تحت ضغط المقاومة الشعبية ممثلة بمسيرات العودة وكسر الحصار، وبالتالي فإن المطروح من الجانب الفلسطيني على طاولة البحث غير المباشر هو تحصيل هذه الحقوق وليس المقايضة على وجود هذه المسيرات واستمرارها، والدخول في الإطار السياسي الذي تريده عناوين صفقة ترامب، ومسعاها لفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 67.
ومن الطبيعي بل المطلوب أن يتواصل الضغط على الاحتلال بكافة الوسائل المتاحة لإرغامه على تنفيذ ما أعلنه أمام الوسطاء،وتشديد هذا الضغط لتحصيل الكثير من حقوق أهالي القطاع المهدورة على يد الحصار، بما يخفف عنهم وطأة الأزمات والمآسي التي يعيشونها منذ سنوات طويلة، مع الإدراك العميق أن حل أزمات القطاع وكذلك الضفة الفلسطينية حلا حاسما يكون في الجوهر عبر إنهاء سببها الأساسي وهو الاحتلال، فالحصار والعدوان والاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال ونهب الأموال وقائع احتلالية دمرت حياة الفلسطينيين وتعمل على إغلاق باب مستقبلهم الوطني وتجسيد حقهم في تقرير مصيرهم.
وتزداد المخاطر التي تتهدد قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية مع توغل المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في خطواته وإجراءاته المتدحرجة لتصفية هذه القضية في ظل إنكار إدارة ترامب لوجود أراض فلسطينية وعربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتعمل على إخضاع المنطقة تحت سقف المصالح التوسعية الإسرائيلية والضغط لترسيم حلول «إنسانية» للأزمات القائمة بما فيها أزمات القطاع بعيدا عما قالته قرارات الشرعية الدولية التي أقرت بحقوق الشعب الفلسطيني في عودة لاجئيه إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها منذ النكبة في العام 1948، وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من حزيران /يونيو 1967.
وفي الطريق إلى إنهاء الاحتلال ثمة حلول لكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية الفلسطينية في الضفة والقطاع عبر إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة تحت راية البرنامج الوطني التحرري الموحد،ومن خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بإجراءات ملموسة تعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر انتخاب المؤسسات الوطنية وفق قانون التمثيل النسبي الكامل.   

أضف تعليق