25 نيسان 2024 الساعة 22:38

معركة الوحدة والكرامة

2019-01-24 عدد القراءات : 710
تجددت المواجهات بين الأسرى الفلسطينيين والجلاد الإسرائيلي، وهي تتويج للمعارك «الصامتة» التي يديرها الاحتلال من أجل انتزاع ما كسبته الحركة الفلسطينية من إنجازات على امتداد سنوات من النضال دفاعاً عن حقوقهم وكرامتهم.
وإذا كانت الاعتداءات على الأسرى من صميم استراتيجية سلطات السجون، فإن هذه الجولة من العدوان عليهم تأتي في إطار سعي نتنياهو وحلفائه إلى فتح ملف الأسرى الفلسطينيين ضمن التعريفات التي توصل إليها الكنيست عبر مشاريع القوانين التي تضعهم في مقدمة قائمة «الإرهاب»، وتضاف إلى شروط الإدارة الأميركية التي تسعى إلى طمس المكانة التي يحتلها الشهداء والأسرى في قلوب الفلسطينيين ووجدانهم.
معركة ليست بالجديدة، لكنها تأخذ أبعاداً مختلفة في هذه المرحلة التي تجمع فيها إدارة ترامب وحكومة نتنياهو كل أسلحتهما على «أمل» إخضاع الفلسطينيين للمشروع الذي يسلب حقوقهم ويطمس قضيتهم.
بالتجربة، يتقن الأسرى إدارة معاركهم مع سلطات الاحتلال وإدارات السجون.ويعرفون أسلحتهم التي انتصروا بفضلها في محطات مختلفة. في مقدمة أسلحتهم الوحدة في تحديد تفاصيل المواجهة، وتقرير منسوبي التهدئة والتصعيد ربطا بتجاوب إدارات السجون مع مطالبهم. ومع أن مفهوم التكافؤ لاينطبق بتاتا في المعركة بين الأسير وجلاده،إلا أن الحركة الأسيرة أوجدت من خلال قوة الإرادة والصبر معادلا ضاعف مصادر قوتها ومكنها من الصمود والانتصار مرات عدة.
لكن ما يجب أن يكسر هذه المعادلة الجائرة قائم خارج جدران السجون،عبر الدور السياسي والشعبي الفلسطيني في دعم صمود الأسرى من جهة، والدفع بقوة باتجاه وضع المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والحقوقية أمام مسؤوليته تجاه قضية الأسرى والمعتقلين من جهة أخرى. وإلى جانب ذلك، وفي الوقت نفسه، مواجهة المحاولات الأميركية ـ الإسرائيلية الساعية إلى فصل قضية الأسرى واستحقاقاتها عن صدارة  أجندة العمل الوطني الفلسطيني عبر الضغوط السياسية والعقوبات المالية.
لقد انتسبت فلسطين إلى عدد واسع من مؤسسات الأمم المتحدة واتفاقياتها من بينها محكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف الأربع وملاحقها. وهذا يمكنها من تحكيم المجتمع الدولي ومؤسساته ذات الصلة في قضية الأسرى ولزوم انطباق اتفاقيات جنيف على الأسرى الفلسطينيين باعتبارهم أسرى الحرب والعدوان اللذين تشنهما دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني ومناضليه، الذين يملكون الحق وفق الشرعية الدولية بمقاومة الاحتلال، وتعرية موقف إسرائيل التي تتعامل معهم كمجرمين وإرهابيين، في الوقت الذي يصف فيه القانون الدولي ما يقوم به جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية التي تعددت ممارساتها بدءا من الاعدام الميداني مرورا بالتعذيب داخل السجون وصولا إلى التطهير العرقي.
ماسبق يقع في الأساس على عاتق القيادة الرسمية الفلسطينية التي تمتلك وسائل التحرك السياسي والديبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي وفي أروقة الأمم المتحدة عبر وزارة خارجية السلطة ومندوبي فلسطين في المنتدى الدولي والمؤسسات الأممية ذات الصلة.والأمر يتصل بالقوى والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع. ومن المهم هنا الإشارة إلى الدور المفترض لـ«التجمع الديمقراطي الفلسطيني» باعتبار أنه يقدم نفسه كعامل تصويب لمسار العمل الوطني الذي عانت أجندته من اختلاط في الأولويات وغياب معظمها في ظل تفاقم الأزمات الفلسطينية المركبة بفعل الانقسام وإدمان السياسات الخاطئة. وربما من المهم التأكيد على أن التجمع بمكوناته السياسية والاجتماعية يستطيع ربطا ببرنامجه المشترك أن يحول قضية الأسرى والمعتقلين وغيرها من القضايا مثل الاستيطان إلى ميادين مواجهة شعبية مع الاحتلال والمستوطنين وخاصة أنه معني بالتوجه إلى الشرائح الأكثر تضررا من سياسات الاحتلال مثل ذوي المعتقلين والأسرى والمتضررين بشكل يومي من السياسات التوسعية وفي المقدمة المزارعون والفلاحون وأصحاب الأراضي المصادرة والبيوت المهدمة إلى جانب المهددين بالترحيل من قراهم وأملاكهم . وجميع هؤلاء حامل اجتماعي مهم في إنهاض المقاومة الشعبية على طريق الانتفاضة الشاملة.
من جانب آخر، يستخدم نتنياهو قضية الأسرى الفلسطينيين في خدمة خطابه الانتخابي من زاوية التحريض عليهم وتأليب أسر القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين الذين أردتهم عمليات المقاومة، وتقديم المقاومين الأسرى كقتلة أمام المجتمع الإسرائيلي، ومن ثم يطلق عصابات حراس السجون في قمعهم وتعذيبهم والنيل من كرامتهم ليكسب بذلك أصوات المزيد من الناخبين، إلى جانب أصوات المستوطنين المتحلقين حول سياساته التوسعية في نهب الأرض الفلسطينية وتهديم البيوت وترحيل أصحابها.
وقد سبق لنتنياهو قبل سنوات أن عطل عملية الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى بحسب اتفاق عبر الادرة الأميركية لتمرير العودة إلى المفاوضات . وقد كشف أنه سعى لذلك بقصد إرضاء حلفائه من اليمين داخل الائتلاف الحكومي، وكي لا يفتح الباب للمزايدة عليه، وهو الذي يجلس في الممارسة العملية على يمين الجميع في الخارطة السياسية والحزبية الصهيونية. ومن نافل القول إن نتنياهو قد صعد من عمليات اقتحام المدن والبلدات الفلسطينية وما يرافقها من حملات  اعتقال تعسفي بهدف إبراز مناطق الضفة الفلسطينية كبؤر توتر من أجل تبرير الضغط على السلطة الفلسطينية واتهام أجهزتها الأمنية بالتقاعس في ملاحقة شبان الانتفاضة والمطالبة بـ «تطوير» التنسيق الأمني ليصل إلى مرحلة التعاون.
وفي الوقت الذي ينبغي التأكيد فيه على أهمية قضية الأسرى وعمقها المجتمعي والسياسي والإنساني،  ينبغي التأكيد على أهمية أن يكون الالتفات الجدي إلى هذه القضية من بوابة إعادة الاعتبار إلى البرنامج الوطني التحرري بكافة عناوينه، وبذلك تتكامل القضايا وتتحد جهود الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية في معركة مفتوحة مع الاحتلال ،الذي يقاتلنا على كافة الجبهات من استيطان وقتل واعتقال وتدمير لا يتوقف. ومن الطبيعي والحال هذا أن تدفع الوحدة الميدانية وضغط المقاومة الشعبية باتجاه وقف تداعيات الانقسام وصولا إلى إسقاطه واستعادة الوحدة السياسية والبرنامجية، تحت راية البرنامج الموحد، برنامج الانتفاضة والمقاومة على سكة تجسيد الحقوق في العودة والاستقلال.
قضية الأسرى والمعتقلين هي قضية كل أسرة في فلسطين، ومرشحة للمزيد من التعقيد مع استمرار سياسة الباب الدوار  الإسرائيلية في عمليات الاعتقال، وهي دوامة لاتنتهي إلا بمواصلة مقاومة الاحتلال  وسياساته التوسعية والعدوانية حتى رحيله ومستوطنيه ،وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

أضف تعليق