29 آذار 2024 الساعة 10:44

قطاع غزة عنوان صمود وتحدٍ .. والقيادة الرسمية تعاقبه

2018-06-02 عدد القراءات : 656
غزّة تشتعل على وقع أزماتها الحادة، ويسقط أبناؤها صرعى الحصار والانقسام والعدوان، وتبكي الأمهات الثكلى حزناً على أبنائهن الضحايا ومن الأطفال في صراع التحويلات الطبية بين طرفي الانقسام، ويتباكى المسؤولون على الفضائيات صوناً لتسمين مصالحهم الخاصة.
قطاع غزّة، الفقير الصغير ذو الكثافة السكانية الأعلى في العالم بحوالي 5203 فرد/ كم مربع، يتجاوز عدد سكانه المليونين في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كم مربع، تقتطع منه المنطقة العازِلة بعرض 1500 متر على طول حدوده الشرقية والشمالية مع الأراضي المحتلة عام 48. بهذا يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على ما نسبته 24% من مساحته. أنهك الحصار والفقر والأزمات قطاع غزة، وسُلبِت كرامة أهله بسلاح الخلافات الداخلية والصراع على السلطة والنفوذ على حساب القضية والحقوق الوطنية.
بين العدوان والانقسام
قطاع غزّة البائس يعيش الواقع المؤلم، خاض ثلاثة حروب عدوانية إسرائيلية في غضون ثماني سنوات عِجاف، وحصار إسرائيلي ظالم يدخل سنته الثانية عشرة، وانقسام داخلي يتجاوز العشر سنوات ونيف، وإجراءات عقابية على يد السلطة الفلسطينية تدخل سنتها الثانية، إلا أنه رغم مآسيه، يواصل مسيرات العودة وكسر الحصار التي تدخل شهرها الثاني، والتي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي والإقليمي والدولي.
قطاع غزّة يعيش لغة الأرقام المُخيفة في المأساة والبؤس والفقر. تبلغ فيه نسبة البطالة 46.6%، وتصل إلى 64% في صفوف الشباب، ما ساهم بتفاقم الواقع الاقتصادي وإضعافه، ما حوّل أكثر من نصف سكانه إلى فقراء، حيث بلغت نسبة الفقر 53% تفوق الضفة الفلسطينية بحوالي أربعة أضعاف والبالغة نحو 13% فقط. فيما نسبة الفقر المدقع في قطاع غزة 33.8% ما يفوق الضفة الفلسطينية بحوالي ستة أضعاف، والبالغة 5.8%، فيما يعتمد نحو 80% من الأسر على المساعدات الإنسانية من عدّة جهات، منهم 960 ألف فرد من وكالة الغوث، و80 ألف أسرة من برنامج الحماية الاجتماعية، ومئات الآلاف من الخريّجين والعمّال يصطفون في طوابير البحث عن حياة كريمة لهم ولأسرهم.
تتلوّث في غزّة مياه الشرب وتختلط بمياه الصرف الصحي بمعدل تلوث يطال 70% من ساحل القطاع، الذي يبلغ طوله 42 كم.
«وعد الرئيس» .. المتبخر
وينعدم الأمن الغذائي لدى السكان بنسبة 40% بصورة شديدة أو متوسطة، ونظيره الوظيفي على وقع الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية ورئيسها بحق موظفيها في القطاع العام، تحت زعم محاصرة «الانقلاب» في غزة منذ آذار/ مارس2017، ما أدى إلى حرمانهم من حقهم في الراتب للشهر الثاني على التوالي، فيما طالت الخصومات ما بين 30-50% وقانون التقاعد المبكر والإجراءات غير المسبوقة.
لم يفِ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوعده في ختام أعمال الدورة الـ23 للمجلس الوطني الفلسطيني، بصرف رواتب الموظفين في قطاع غزة، عازياً تأخيرها لـ«خلل فني»، مضى عليه عدة أسابيع، بل أسقطت الفقرة من البيان الختامي للمجلس تقرر برفع الإجراءات عن غزة ما يدل على النية المبيتة بعدم تنفيذ هذا القرار.
وتلتف على خاصرة قطاع غزّة وفي داخله ألغام الأزمات، ويعيش الواقع المرّ، كهرباؤه لا تتجاوز مدة وصلها الأربع ساعات يومياً، ومياهه الجوفية ملوثة بنسبة 97%، ومساحة صيده في عرض بحره الأزرق لا تتجاوز الأميال الستة أي في مناطق الصيد الفقيرة، وحرياته العامة والديمقراطية منتهكة، ويهرب شبابه بحثاً عن موت آخر ربما يكون أقل قسوة، يضيع فيه العمر. في غزّة تظهر بوضوح علامات الغنى لدى بعض الفئات والفقر لدى معظم الناس في صراع الأزمات وتجارة الحروب والانقسام، هذا هو حال قطاع غزّة يسير بماضيه وحاضره ومستقبله نحو الانفجار.
قطاع غزّة ليس صندوق بندورة أو بضاعة فاسدة، إنما هو عنوان صمود وتحدٍ، أعاد الصَدارة للقضية الوطنية الفلسطينية في مسيرات العودة بعدما همّشتها مسيرة خمسة وعشرين عاماً من المفاوضات العبثيّة بعيدة كل البُعد عن قرارات الشرعية الدولية.
قطاع غزة يسير لوحده، يُحاصر وحيداً، يصمد وحيداً، يُبدع في أساليب النضال والمقاومة وحيداً، يُشعل الإطارات المطاطية وحيداً، تحلق الطائرات الورقية وحيدة، تُعكر مزاج الاحتلال وتواجه العدوان والحصار الإسرائيلي وحيدة، تواجه لوحدها إجراءات السلطة العقابية. قطاع غزة يعيش أوج الحصار وصراع الانقسام وتقاسم السلطة والنفوذ، ويدفع ثمن عجزه عن انتشال أزماته.
ومع كل هذا الواقع الأليم فقطاع غزّة هو الأشدّ قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته. هو كابوسه لأن أطفاله بلا طفولة وشيوخه بلا شيخوخة، ونساؤه بلا أحلام، وكما وصفه الشاعر الفلسطيني محمود درويش، «هو أجملنا وأصفانا وأغنانا وأكثرنا جدارة بالحب».
يعاني قطاع غزة ما يعانيه الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وما يعانيه اللاجئون في مخيمات الشتات والهجرة. خلاص قطاع غزة من خلاص الوطن. ولا خلاص إلا بالمقاومة وبالوحدة الوطنية.

أضف تعليق